سورة الحديد
تسعة وعشرون آية مدنية
وجوز أن يكون خبر مبتدأ، أي هو يحيي ويميت. وأن يكون حالاً، وذو الحال الضمير في له، والعامل فيها العامل في الجار والمجرور.
واللام في لله، إما أن تكون بمنزلة اللام في: نصحت لزيد، يقال: سبح الله، كما يقال؛ نصحت زيداً، فجيء باللام لتقوية وصول الفعل إلى المفعول؛ وإما أن تكون لام التعليل، أي أحدث التسبيح لأجل الله، أي لوجهه خالصاً.
{يحيي ويميت}: جملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب.
و{لا تؤمنون} حال، كما تقول: ما لك لا تقوم تنكر عليه انتفاء قيامه؟ {والرسول}: الواو واو الحال، فالجملة بعده حال، وقد أخذ حال ثالثة.
{إن كنتم مؤمنين}: شرط وجوابه محذوف، أي إن كنتم مؤمنين لموجب مّا، فهذا هو الموجب لإيمانكم.
و{ألا تنفقوا} تقديره: في أن لا تنفقوا، فموضعه جر أو نصب على الخلاف، وأن ليست زائدة، بل مصدرية. وقال الأخفش: في قوله: {وما لنا أن لا نقاتل}، إنها زائدة عاملة تقديره عنده: وما لنا لا نقاتل، فلذلك على مذهبه في تلك هنا تكون أن، وتقديره: وما لكم لا تنفقون، وقد رد مذهبه في كتب النحو.
والظاهر أن من{وَالأٌّرْضِ لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ} فاعل {لا يستوي}، وحذف مقابله، وهو من أنفق من بعد الفتح وقاتل، لوضوح المعنى. ومن أنفق مبتدأ، وأولئك مبتدأ خبره ما بعده، والجملة في موضع خبر من، وهذا فيه تفكيك للكلام، وخروج عن الظاهر لغير موجب. وحذف المعطوف لدلالة المقابل كثيرة، فأنفق لا سيما المعطوف الذي يقتضيه وضع الفعل، وهو يستوي. وقرأ الجمهور: {وكلاً} بالنصب، وهو المفعول الأول لوعد. وقرأ ابن عامر وعبد الوارث من طريق المادر أي: وكل بالرفع والظاهر أنه مبتدأ، والجملة بعده في موضع الخبر، وقد أجاز ذلك الفراء وهشام، وورد في السبعة، فوجب قبوله؛ وإن كان غيرهما من النحاة قد خص حذف الضمير الذي حذف من مثل وعد بالضرورة. وقال الشاعر:
وخالد تحمد ساداتنابالحق لا تحمد بالباطل يريده: تحمده ساداتنا، وفر بعضهم من جعل وعد خبراً فقال: كل خبر مبتدأ تقديره: وأولئك كل، ووعد صفة، وحذف الضمير المنصوب من الجملة الواقعة صفة أكثر من حذفه منها إذا كانت خيراً، نحو قوله:
وما أدري أغيرهم تناءوطول العهد أم مال أصابوا يريد: أصابوه، فأصابوه صفة لمال، وقد حذف الضمير العائد على الموصوف.
وقال ابن عطية: هنا الرفع يعني في يضاعفه على العطف، أو على القطع والاستئناف. وقرأ عاصم: فيضاعفه بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام، وفي ذلك قلق. قال أبو علي، يعني الفارسي: لأن السؤال لم يقع على القرض، وإنما وقع السؤال على فاعل القرض، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه، لكن هذه الفرقة، يعني من القراء، حملت ذلك على المعنى، كأن قوله: من ذا الذي يقرض{حَسَناً} بمنزلة أن لو قال: أيقرض الله أحد فيضاعفه؟ انتهى.
وهذا الذي ذهب إليه أبو على من أنه إنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه ليس بصحيح، بل يجوز إذا كان الاستفهام بأدواته الاسمية نحو: من يدعوني فأستجيب له؟ وأين بيتك فأزورك؟ ومتى تسير فأرافقك؟ وكيف تكون فأصحبك؟ فالاستفهام هنا واقع عن ذات الداعي، وعن ظرف المكان وظرف الزمان والحال، لا عن الفعل. وحكى ابن كيسان عن العرب: أين ذهب زيد فنتبعه؟ وكذلك: كم مالك فنعرفه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ بالنصب بعد الفاء. وقراءة فيضاعفه بالنصب قراءة متواترة، والفعل وقع صلة للذي، والذي صفة لذا، وذا خبر لمن. وإذا جاز النصب في نحو هذا، فجوازه في المثل السابقة أحرى، مع أن سماع بن كيسان ذلك محكياً عن العرب يؤيد ذلك.
العامل في يوم ما عمل في لهم؛ التقدير: ومستقر له أجر كريم يوم ترى، أو اذكر يوم ترى إعظاماً لذلك اليوم.
وقرأ الجمهور: وبأيمانهم{كَرِيمٌ * يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَنِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّتٌ}، جمع يمين؛ وسهل بن شعيب السهمي، وأبو حيوة: بكسر الهمزة، وعطف هذا المصدر على الظرف لأن الظرف متعلق بمحذوف، أي كائناً بين أيديهم، وكائناً بسبب أيمانهم.
{بشراكم اليوم جنات}: جملة معمولة لقول محذوف، أي تقول لهم الملائكة.
{يوم يقول} بدل من {يوم ترى}. وقيل: معمول لاذكر. قال ابن عطية: ويظهر لي أن العامل فيه {ذلك هو الفوز العظيم}، ومجيء معنى الفوز أفخم، كأنه يقول: إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم. انتهى. وتقديره أن يوم منصوب بالفوز، وهو لا يجوز، لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته، فلا يجوز إعماله. فلو أعمل وصفة، وهو العظيم، لجاز، أي الفوز الذي عظم، أي قدره {يوم يقول}.
والظاهر أن وراءكم{نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ} معمول لا رجعوا. وقيل: لا محل له من الأعراب لأنه بمعنى ارجعوا، كقولهم: وراءك أوسع لك، أي ارجع تجد مكاناً أوسع لك.
{فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} أيها المنافقون، والناصب لليوم الفعل المنفي بلا، وفيه حجة على من منع ذلك.
قرأ الجمهور: {ولا يكونوا} بياء الغيبة، عطفاً على {أن تخشع}؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة وإسماعيل عن أبي جعفر، وعن شيبة، ويعقوب وحمزة في رواية عن سليم عنه: ولا تكونوا على سبيل الالتفات، إما نهياً، وإما عطفاً على {أن تخشع}.
قال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: {وأقرضوا}؟ قلت: على معنى الفعل في المصدّقين، لأن اللام بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى اصدّقوا، كأنه قيل: إن الذين اصدقوا وأقرضوا. انتهى. واتبع في ذلك أبا علي الفارسي، ولا يصح أن يكون معطوفاً على المصدقين، لأن المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف، وهو قلوه: {والمصدقات}. ولا يصح أيضاً أن يكون معطوفاً على صلة أل في المصدقات لاختلاف الضمائر، إذ ضمير المتصدّقات مؤنث، وضمير وأقرضوا مذكر، فيتخرج هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، لأنه قيل: والذين أقرضوا، فيكون مثل قوله:
فمن يهجو رسول الله منكمويمدحه وينصره سواه يريد: ومن يمدحه.
والشهداء{وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ}: الظاهر أنه مبتدأ خبره ما بعده، فيقف على الصديقون، وإن شئت فهو من عطف الجمل.
وقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة: والشهداء معطوف على الصديقون، والكلام متصل، يعنون من عطف المفرادت.
{كمثل غيثٍ} وقال ابن عطية: {كمثل} في موضع رفع صفة لما تقدّم.
{الذين يبخلون}: أي هم الذين يبخلون، أو يكون الذين مبتدأ محذوف الخبر على جهة الإبهام تقديره: مذمومون، أو موعودون بالعذاب، أو مستغنى عنهم، أو على إضمار، أعني فهو في موضع نصب، أو في موضع نصب صفة لكل مختال، وإن كان نكرة، فهو مخصص نوعاً مّا، فيسوغ لذلك وصفة بالمعرفه. قال ابن عطية: هذا مذهب الأخفش.
وقرأ الجمهور: {فإن الله هو}؛ وقرأ نافع وابن عامر: بإسقاط هو، وكذا في مصاحف المدينة والشام، وكلتا القراءتين متواترة. فمن أثبت هو، فقال أبو علي الفارسي: يحسن أن يكون فصلاً، قال: ولا يحسن أن يكون ابتداء، لأن حذف الابتداء غير سائغ. انتهى. يعني أنه في القراءة الأخرى حذف، ولو كان مبتدأ لم يجز حذفه، لأنك إذا قلت: إن زيداً هو الفاضل، فأعربت هو مبتدأ، لم يجز حذفه، لأن ما بعده من قولك الفاضل صالح أن يكون خبراً لأن، فلا يبقى دليل على حذف هو الرابط. ونظيره: {الذين هم يراءون}، لا يجوز حذف هم، لأن ما بعده يصلح أن يكون صلة، فلا يبقى دليل على المحذوف. وما ذهب إليه أبو علي ليس بشيء، لأنه بنى ذلك على توافق القراءتين وتركيب إحداهما على الأخرى، وليس كذلك. ألا ترى أنه يكون قراءتان في لفظ واحد، ولكل منهما توجيه يخالف الآخر، كقراءة من قرأ: {والله أعلم بما وضعت} بضم التاء، والقراءة الأخرى: {بما وضعت} بتاء التأنيث؟ فضم التاء يقتضي أن الجملة من كلام أم مريم، وتاء التأنيث تقتضي أنها من كلام الله تعالى، وهذا كثير في القراءات المتواترة. فكذلك هذا يجوز أن يكون هو مبتدأ في قراءة من أثبته، وإن كان لم يرد في القراءة الأخرى، ولكل من التركيبين في الإعراب حكم يخصه.
{وجعلنا}: يحتمل أن يكون المعنى وخلقنا، كقوله: {وجعل الظلمات والنور}، ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا، فيكون {في قلوب}: في موضع المفعول الثاني لجعلنا. {ورهبانية} معطوف على ما قبله، فهي داخلة في الجمل. {ابتدعوها}: جملة في موضع الصفة لرهبانية.
وجعل أبو علي الفارسي {ورهبانية} مقتطعة من العطف على ما قبلها من {رأفة ورحمة}، فانتصب عنده {ورهبانية} على إضمار فعل يفسره ما بعده، فهو من باب الاشتغال، أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها. واتبعه الزمخشري فقال: وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، يعني وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها. انتهى، وهذا إعراب المعتزلة، وكان أبو عليّ معتزلياً. وهم يقولون: ما كان مخلوقاً لله لا يكون مخلوقاً للعبد، فالرأفة والرحمة من خلق الله، والرهبانية من ابتداع الإنسان، فهي مخلوقة له. وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله: {ورهبانية}، لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة.
والظاهر أن {إلا ابتغاء رضوان الله} استثناء متصل من ما هو مفعول من أجله، وصار المعنى: أنه تعالى كتبها عليهم ابتغاء مرضاته، وهذا قول مجاهد، ويكون كتب بمعنى قضى. وقال قتادة وجماعة: المعنى: المعنى: لم يفرضها عليهم، ولكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله تعالى، فالاستثناء على هذا منقطع، أي لكن ابتدعوها لابتغاء رضوان الله تعالى.
وقرأ الجمهور: {لئلا يعلم}، ولا زائدة كهي في قوله: {ما منعك أن لا تسجد}، وفي قوله: {أنهم لا يرجعون} في بعض التأويلات.
وري ابن مجاهد عن الحسن: ليلاً مثل ليلى اسم المرأة، يعلم برفع الميم أصله لأن لا بفتح لام الجر وهي لغة، فحذفت الهمزة، اعتباطاً، وأدغمت النون في اللام، فاجتمعت الأمثال وثقل النطق بها، فأبدلوا من الساكنة ياء فصار ليلاً، ورفع الميم، لأن إن هي المخففة من الثقيلة لا الناصبة للمضارع، إذ الأصل لأنه لا يعلم.
وقرأ الجمهور: أن لا يقدرون بالنون، فإن هي المخففة من الثقيلة.
الأحد أغسطس 22, 2010 3:28 pm من طرف حسن البنا