شيء ما في معدتك قد يكون السبب في إصابتك بالسمنة، لكن الأمر لا يتعلق طبعا بوجبة البيتزا التي تناولتها أمس!
اكتشف العلماء أن التجمعات الكبيرة والمتنوعة للبكتيريا التي تتخذ من الأمعاء مسكنا لها يمكنها التأثير على عملية الاستقلاب والوزن. فما بين 10 إلى 100 تريليون ميكروب، معظمها بكتيريا، تقيم في قولون الإنسان والأمعاء الدقيقة. وهي تعمل مع بعض كعضو آخر من أعضاء الجسم، إذ تؤثر على كمية السعرات الحرارية المستخلصة من غذائنا وما إذا كنا نحرق هذه السعرات أو نخزنها على شكل دهون في جسمنا. وقد اكتشف الباحثون أن هناك علاقة هامة بين بكتيريا الأمعاء ووزن الفئران وعملية الاستقلاب، كما بدؤوا يجدون علاقات مماثلة لدى الإنسان.
ولم يتأكد هذا الأمر بعد بالنسبة للإنسان، ولو أن العلماء يقولون إنه سيتاح في القريب العاجل إعداد مشروب خليط بكتيريا يصنف ضمن مشروبات «الحفاظ على الرشاقة». إلا أن هذا لم يمنع بعض الشركات من الترويج لمنتجاتها المحتوية على بكتيريا وحصرها ضمن المنتجات المساعدة على تخسيس الوزن. وقد كانت البكتيريا التي تسحب أقصى عدد من السعرات الحرارية من غذائنا لتكون فعالة أكثر للإنسان القديم الذي كان يعتمد في تدبير قوته على الصيد والجمع (الصياد الجامع) لو أنه اكتشفها، لكن هذه البكتيريا أقل فعالية بالنسبة للإنسان المعاصر الذي أَلِفَ تناول الوجبات الأميركية السريعة. ويقول أندرو جيويرز، عالم مناعة في جامعة إموري بأطلنطا «بالإضافة إلى سهولة حصولنا على الوجبات الجاهزة ذات السعرات الحرارية العالية، تغيرت البكتيريا التي نحملها من خلال استخدامنا المضادات الحيوية وتحسنت جودة صحة الإمدادات الغذائية ونظافتها».
وهذا قد يكون حسب اعتقاد أندرو أحد الأسباب البيئية للسمنة وبعض الأمراض الناتجة عنها مثل السكري. وتشير روث ليي، عالمة بيئة متخصصة في الميكروبات في جامعة كورنيل بإيثاكا بنيويورك، إلى أن بكتيريا الأمعاء لدينا مفيدة بشكل عام. فهي تحول دون إحكام البكتيريا الناتجة عما يصيبنا من أمراض سيطرتَها على أجسامنا من خلال سد كل الفراغات الموجودة. كما تساعدنا على هضم ما نتناوله من أغذية مثل النشويات التي يتعذر علينا تفكيكها بأنفسنا، علاوة على إنتاج فيتامينات ومصادر الطاقة التي يمكننا استخدامها.
وتقول ليي «كنا سنكون أكثر عرضة للأمراض بدون وجود هذه البكتيريا». ويكون جسم الرضيع عند الولادة خالٍ من البكتيريا، لكنه يبدأ في التقاطها خلال الولادة وبعدها. ويلتقط الأطفال البكتيريا عادة من أمهاتهم وأولئك المحيطين بهم. ويمكن القول إن تجمعات الأمعاء تنتقل بالوراثة ما بين أفراد الأسرة. وإذا كانت نظرية السمنة الناتجة عن بكتيريا الأمعاء قد أثبتت صحتها، فإن ذلك قد يدل على أن مخاطر الإصابة بالسمنة قد تنتقل فيما بينهم.
ونظرا لالتقاط الناس أنواع بكتيريا مختلفة من البيئات التي يوجدون بها، فإن لديهم تجمعات بكتيريا مختلفة. وحسب تقديرات علماء أجروا دراسة نشرت نتائجها في مجلة «نايتشر» في مارس الماضي، يحمل كل شخص ما لا يقل عن 160 نوعا مختلفا من أنواع بكتيريا الأمعاء. وتتوزع هذه البكتيريا على مجموعتين: «بكتيرويديتيس» و»فيرميكيوتس». وكلتا المجموعتين موجودتان في التربة والماء ولدى الحيوانات أيضا. ومنها ما يسبب بعض الأمراض، إلا أن معظم هذه البكتيريا التي تتركز في الأمعاء نافعة. فبكتيريا «فيرميكيوتس» بالتحديد مفيدة لعملية الهضم. وكلما كثر عدد بكتيريا «فيرميكيوتس» في أمعاء الشخص، كثر معه عدد السعرات الحرارية المستخلصة من الوجبة.
وهنا يتجلى بوضوح الرابط بين السمنة وهذه البكتيريا. ففي عام 2005، قامت ليي بصحبة زملائها العاملين في كلية الطب بجامعة واشنطن بدراسة بكتيريا الأمعاء الموجودة لدى الفئران أملا في استخدامها كنموذج لدراسة السمنة. وقارنوا الفئران الطبيعية النحيلة بتلك التي تعاني وراثيا من السمنة بسبب حدوث طفرة لديهم في هرمون الليبتين الذي يضبط الشهية والاستقلاب. وكما هو حاصل لدى الإنسان، فإن أهم ساكني أمعاء الفئران يصنفون ضمن مجموعتي «بكتيرويديتيس» و»فيرميكيوتس». غير أن الباحثين اكتشفوا أن الفئران السمينة والنحيفة لديها كميات مختلفة من بكتيريا هاتين المجموعتين. فأمعاء الفئران السمينة تحتوي على كميات أكبر من بكتيريا «فيرميكيوتس» وأقل من «بكتيرويديتيس» من تلك الموجودة في أمعاء الفئران النحيفة بشكل تناسب ععيبي.
وفي بحث آخر أجرته ليي وزملاؤها على الفئران العقيمة التي ليس لديها بكتيريا أمعاء، وجدوا أن هذه الفئران تأكل كثيرا، لكنها لا تصاب بالسمنة. ويُحتَمل أن يكون ذلك بسبب عدم توافرها على بكتيريا لاستخلاص مجموع السعرات الحرارية من الغذاء الذي تتناوله. لكن عندما نقل العلماء البكتيريا من الفئران السمينة إلى الفئران التي لا يوجد لديها بكتيريا أمعاء، زاد وزن الفئران المستقبِلة لهذه البكتيريا. وتدل هذه النتيجة على أن هناك علاقة مباشرة بين تجمعات البكتيريا لدى الفئران السمينة تؤدي إلى زيادة الوزن.
وماذا عن الكائنات البشرية؟ قامت ليي وزملاؤها بدراسة العلاقة التناسبية بين مجموعتي بكتيريا «بكتيرويديتيس» و»فيرميكيوتس» لدى 12 شخصا، إذ قاموا بفحص نماذج بكتيريا أشخاص بدناء كانوا يتبعون نظام حمية غذائي مدته سنة واحدة. وقبل بدء الحمية، كانت لدى هؤلاء الأشخاص أعداد أكبر من بكتيريا «فيرميكيوتس» وأعداد أقل من بكتيريا «بكتيرويديتيس» مقارنةً بما هو عليه الحال لدى الأشخاص الأصحاء ذوي الوزن المناسب. ومع اقتراب مرور عام من اتباعهم الحمية، لوحِظ لديهم تزايد مطرد في أعداد بكتيريا «بكتيرويديتيس» وتناقص متواصل في أعداد بكتيريا «فيرميكيوتس».
وبالإضافة إلى استخلاص كل سعرة حرارية موجودة في ما نتناوله، يمكن للبكتيريا التأثير على عملية الاستقلاب من خلال إرسال إشارات إلى الجسم لتخزين الدهون أو حرق كمية أقل منها، وأيضا الإبطاء في نقل الغذاء عبر الأمعاء حتى يكون هناك وقت إضافي لتجميع السعرات الحرارية. وغير معروف إلى الآن طبيعة الإشارات البكتيرية التي تؤثر على عملية الاستقلاب بدقة، لكن حسب مقال نُشِر في مجلة «ساينس»، أشار جيويرتز وزملاؤه أن البكتيريا يمكنها التسبب في حدوث التهابات تُؤثر في الشهية والوزن. ويشير جيويرتز إلى أن نظام المناعة وبكتيريا الأمعاء تتعايش بسلام. إلا أن الفئران الطافرة في هذه التجربة لم تكن طبيعية. إذ كان ينقصها البروتين اللازم للإبقاء على البكتيريا في الأمعاء التي تنتمي إليها وكانت خارج مجرى الدم. وتتسرب بكتيريا الأمعاء لدى هذه الفئران إلى خارج الأمعاء وتُحدِث التهابات نتيجة مواجهة النظام المناعي للمتطفلين.
عن صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»
إضاءات
سكان الأمعاء: يحمل كل شخص ما لا يقل عن 160 نوعاً مختلفاً من أنواع بكتيريا الأمعاء.
• مستعمرات بكتيرية: يقيم في قولون الإنسان والأمعاء الدقيقة ما بين 10 إلى 100 تريليون ميكروب، معظمها بكتيريا.
• صمام الأمان من الأمراض: أثبتت الدراسات أنه لولا وجود البكتيريا لكان الإنسان أكثر عرضة للأمراض.
• مصدر البكتيريا: يكون جسم الرضيع عند الولادة خالٍ من البكتيريا، لكنه يبدأ في التقاطها خلال الولادة وبعدها. ويلتقط الأطفال البكتيريا عادة من أمهاتهم وأولئك المحيطين بهم.
• حرق الدهون أو تخزينها: تؤثر البكتيريا على عملية الاستقلاب من خلال إرسال إشارات إلى الجسم لتخزين الدهون أو حرق كمية أقل منها، وأيضاً الإبطاء في نقل الغذاء عبر الأمعاء.
• الأنسولين شرطي المائدة: إذا اختل توازن نظام الأنسولين، فإن الدماغ لا يتلقى إشارة «أنا ممتلئ! ضع شوكتك جانبا!» اللازمة لجعلنا نتوقف عن الأكل.
كوكتيل بكتيريا
ينبِّه العلماء إلى أن شراب كوكتيل بكتيريا لن يكون مشروب المستقبل النموذجي لتخسيس الوزن. وذلك لسبب وحيد وهو أنهم لا يعرفون أي بكتيريا يستخدمون إذا أرادوا تجريب إعداد مشروب من هذا النوع. ويبقى من الصعب فصل العلاقة بين جميع العوامل المسبِّبة للسمنة، بما فيها النظام الغذائي والتمارين الرياضية والعوامل الوراثية.
وحتى يغدو العلاج باستبدال البكتيريا ممكنا وقابلا للتطبيق، قد يحتاج الأطباء في المقام الأول إلى طريقة للتخلص من البكتيريا غير المرغوب فيها الساكنة في الجهاز الهضمي للشخص. فقد يكون إيجاد التوليفة المناسبة من المضادات الحيوية هو الحل، لكن ليس هناك أساليب واضحة لابتكار هذا النوع من العلاج.
الجمعة يونيو 25, 2010 8:18 pm من طرف المجد للإسلام