سورة الرحمن
ثمان وسبعون آية مكية
والظاهر أن الرحمن{مُّقْتَدِرِ * الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الإِنسَنَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ * وَالأٌّرْضَ وَضَعَهَا لِلأٌّنَامِ * فِيهَا فَكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأٌّكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * خَلَقَ الإِنسَنَ مِن صَلْصَلٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} مرفوع على الابتداء، {وعلم القرآن} خبره. وقيل: {الرحمن} آية بمضمر، أي الله الرحمن، أو الرحمن ربنا، وذلك آية؛ و{علم القرآن} استئناف إخبار.
وعلم متعدّية إلى اثنين، حذف أولهما لدلالة المعنى عليه، وهو جبريل، أو محمد عليهما الصلاة والسلام، أو الإنسان.
وارتفع الشمس على الابتداء وخبره بحسبان، فأما على حذف، أي جري الشمس والقمر كائن بحسبان. وقيل: الخبر محذوف، أي يجريان بحسبان، وبحسبان متعلق بيجريان، وعلى قول مجاهد: تكون الباء في بحسبان ظرفية، لأن الحسبان عنده الفلك.
والسماء{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الإِنسَنَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَآءَ}، بالنصب على الاشتغال، روعي مشاكلة الجملة التي تليه وهي {يسجدان}. وقرأ أبو السمال: والسماء بالرفع، راعى مشاكلة الجملة الابتدائىة. وقرأ الجمهور: {ووضع الميزان}، فعلاً ماضياً ناصباً الميزان، أي أقره وأثبته. وقرأ إبراهيم: ووضع الميزان، بالخفض وإسكان الضاد.
{أن لا تطغو في الميزان}: أي لأن لا تطغوا، فتطغوا منصوب بأن. وقال الزمخشري: أو هي أن المفسرة. وقال ابن عطية: ويحتمل أن تكون أن مفسرة، فيكون تطغوا جزماً بالنهي. انتهى، ولا يجوز ما قالاه من أن أن مفسرة، لأنه فات أحد شرطيها، وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول.
{ووضع الميزان} جملة ليس فيها معنى القول.
وحكى ابن جني وصاحب اللوامح، عن بلال: فتح التاء والسين مضارع خسر بكسر السين، وخرجها الزمخشري على أن يكون التقدير: في الميزان، فحذف الجار ونصب، ولا يحتاج إلى هذا التخريج. ألا ترى أن خسر جاء متعدياً كقوله تعالى: خسروا أنفسهم{بِالْقِسْطِ وَلاَ}، و{خسر الدنيا والآخرة}؟
وقرأ الجمهور: {والحب ذو العصف والريحان}، برفع الثلاثة عطفاً على المرفوع قبله؛ وابن عامر وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بنصب الثلاثة، أي وخلق الحب. وجوزوا أن يكون {والريحان} حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه؛ وريحان من ذوات الواو. وأجاز أبو علي أن يكون اسماً، ووضع موضع المصدر، وأن يكون مصدراً على وزن فعلان كاللبان. وأبدلت الواو ياء، كما أبدلوا الياء واواً في أشاوى، أو مصدراً شاذاً في المعتل، كما شذ كبنونة وبينونة، فأصله ريوحان، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، كما قالوا: ميت وهين.
فبأي منوناً في جميع السورة، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه آلاء ربكما{وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بدل معرفة من نكرة.
ومن الأولى لابتداء الغاية، والثانية في من نار{الإِنسَنَ مِن صَلْصَلٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَآنَّ} للتبعيض. وقيل للبيان والتكرار في هذه الفواصل.
وقرأ الجمهور: {رب}، و{رب} بالرفع، أي هو رب؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بالخفض بدلاً من ربكما.
والمرجان: اسم أعجميّ معرب. قال ابن دريد: لم أسمع فيه نقل متصرف.
{يسأله من في السموات والأرض}: والظاهر أن قوله: يسأله استئناف إخبار. وقيل: حال من الوجه، والعامل فيه يبقى.
وانتصب {كل يوم} على الظرف، والعامل فيه العامل في قوله: {في شأن}، وهو مستقر المحذوف، نحو: يوم الجمعة زيد قائم.
{يرسل عليكم شواظ}، وقرأ زيد بن علي: نرسل بالنون، عليكما شواظاً بالنصب، من نار ونحاساً بالنصب عطفاً على شواظاً.
{فإذا انشقت السماء}: جواب إذا محذوف، أي فما أعظم الهول.
{فيومئذ}: التنوين فيه للعوض من الجملة المحذوفة، والتقدير: فيوم إذ انشقت السماء، والناصب ليومئذ {لا يسأل}.
ويؤخذ متعد إلى مفعول بنفسه، وحذف هذا الفاعل والمفعول، وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مضمناً معنى ما يعدى بالباء، أي فيسحب بالنواصي والأقدام، وأل فيهما على مذهب الكوفيين عوض من الضمير، أي بنواصيهم وأقدامهم، وعلى مذهب البصريين الضمير محذوف، أي بالنواصي والأقدام منهم.
وانتصب متكئين{بِسِيمَهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى} على الحال من قوله: {ولمن خاف}، وحمل جمعاً على معنى من. وقيل: العامل محذوف، أي يتنعمون متكئين. وقال الزمخشري: أي نصب على المدح، وقال الزمخشري: نصب على الاختصاص.
وقرأ الجمهور: {على رفرف}، ووصف بالجمع لأنه اسم جنس، الواحد منها رفرفة، واسم الجنس يجوز فيه أن يفرد نعته وأن يجمع لقوله: {والنخل باسقات}، وحسن جمعه هنا مقابلته لحسان الذي هو فاصلة.
وقرأ الجمهور: {ذي الجلال}: صفة لربك؛ وابن عامر وأهل الشام: ذو صفة للاسم.
الأحد أغسطس 22, 2010 3:09 pm من طرف حسن البنا