سورة نوح
ثمان وعشرون آية مكية
من ذنوبكم: من للتبعيض، لأن الإيمان إنما يجب ما قبله من الذنوب لا ما بعده. وقيل: لابتداء الغاية. وقيل: زائدة، وهو مذنب، قال ابن عطية: كوفي، وأقول: أخفشي لا كوفي، لأنهم يشترطون أن تكون بعد من نكرة، ولا يبالون بما قبلها من واجب أو غيره، والأخفش يجيز مع الواجب وغيره. وقيل: النكرة والمعرفة. وقيل: لبيان الجنس، ورد بأنه ليس قبلها ما تبينه.
وجواب لو محذوف تقديره: لو كنتم تعلمون، لبادرتم إلى عبادته وتقواه وطاعتي فيما جئتكم به منه تعالى.
وانتصب جهاراً بدعوتهم، وهو أحد نوعي الدعاء، ويجيء فيه من الخلاف ما جاء في نصب هو يمشي الخوزلى.
قال الزمخشري: أو لأنه أراد بدعوتهم: جاهرتهم، ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا بمعنى دعاء جهاراً: أي مجاهراً به، أو مصدراً في موضع الحال، أي مجاهر.
ومدراراً{مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ}: من الدر، وهو صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث، ومفعال لا تلحقه التاء إلا نادراً، فيشترك فيه المذكر والمؤنث. تقول: رجل محدامة ومطرابة، وامرأة محدابة ومطرابة.
{لا ترجون}: حال، {وقد خلقكم أطواراً}: جملة حالية.
يقال: القمر في السماء الدنيا، وصح كون السموات ظرفاً للقمر، لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأه المظروف. تقول: زيد في المدينة، وهو في جزء منها، ولم تقيد الشمس بظرف.
وانتصاب نباتاً بأنبتكم مصدراً على حذف الزائد، أي إثباتاً، أو على إضمار فعل، أي فنبتم نباتاً. وقال الزمخشري: المعنى أنبتكم فنبتم، أو نصب بأنبتكم لتضمنه معنى نبتم.
{ويخرجكم اخراجاً}: أي يوم القيامة، وأكده بالمصدر وسبلاً: ظرف.
وقرأ الجمهور: {ولا يغوث ويعوق} بغير تنوين، فإن كانا عربيين، فمنع الصرف للعلمية ووزن الفعل، وإن كانا عجميين، فللعجمة والعلمية. وقرأ الأشهب: ولا يغوثا ويعوقا بتنوينهما. قال صاحب اللوامح: جعلهما فعولاً، فلذلك صرفهما. فأما في العامة فإنهما صفتان من الغوث والعوق بفعل منهما، وهما معرفتان، فلذلك منع الصرف لاجتماع الفعلين اللذين هما تعريف ومشابهة الفعل المستقبل. انتهى، وهذا تخبيط. أما أولاً، فلا يمكن أن يكونا فعولاً، لأن مادة يغث مفقودة وكذلك يعق؛ وأما ثانياً، فليسا بصفتين من الغوث والعوق، لأن يفعلا لم يجىء اسماً ولا صفة، وإنما امتنعا من الصرف لما ذكرناه. وقال ابن عطية: وقرأ الأعمش: ولا يغوثا ويعوقا بالصرف، وذلك وهم لأن التعريف لازم ووزن الفعل. انتهى. وليس ذلك بوهم، ولم ينفرد الأعمش بذلك، بل قد وافقه الأشهب العقيلي على ذلك، وتخريجه على أحد الوجهين، أحدهما: أنه جاء على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف عند عامة العرب، وذلك لغة وقد حكاها الكسائي وغيره؛ والثاني: أنه صرف لمناسبة ما قبله وما بعده من المنون، إذ قبله {ودّاً ولا سواعاً}، وبعده {ونسراً}، كما قالوا في صرف {سلاسلاً}، و{قواريراً قواريراً}، لمن صرف ذلك للمناسبة. وقال الزمخشري: وهذه قراءة مشكلة، لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين ففيهما منع الصرف، ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات {وداً وسواعاً ونسراً}، كما قرىء: {وضحاها} بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج. انتهى. وكان الزمخشري لو يدر أن ثم لغة لبعض العرب تصرف كل ما لا ينصرف عند عامتهم، فلذلك استشكلها.
{ولا تزد}: وهي معطوفة على {وقد أضلوا}، إذ تقديره: وقال وقد أضلوا كثيراً، فهي معمولة لقال المضمرة المحكي بها قوله: {وقد أضلوا}، ولا يشترط التناسب في عطف الجمل، بل قد يعطف، جملة الإنشاء على جملة الخبر والعكس، خلافاً لمن يدعي التناسب.
الأحد أغسطس 22, 2010 3:18 pm من طرف حسن البنا