سورة المنافقون
إحدى عشرة آية مدنية
ولقولهم{الرزِقِينَ}: الجار والمجرور هو المفعول الذي لم يسم فاعله، وليست اللام زائدة، بل ضمن يسمع معنى يصغ ويمل، تعدى باللام وليست زائدة، فيكون قولهم هو المسموع.
ويجوز أن يكون هم العدو{مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ} المفعول الثاني كما لو طرحت الضمير. فإن قلت: فحقه أن يقول: هي العدو. قلت: منظور فيه إلى الخبر، كما ذكر في هذا ربي، وأن يقدر مضاف محذوف على يحسبون كل أهل صيحة. انتهى. وتخريج {هم العدو} على أنه مفعول ثان ليحسبون تخريج متكلف بعيد عن الفصاحة.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون أنى ظرفاً لقاتلهم، كأنه قال: قاتلهم الله كيف انصرفوا أو صرفوا، فلا يكون في هذا القول استفهام على هذا. انتهى. ولا يصح أن يكون أنى لمجرد الظرف، بل لا بد يكون ظرفاً استفهاماً، إما بمعنى أين.
وعلى هذه التقادير لا يعمل فيها ما قبلها، ولا تتجرد لمطلق الظرفية بحال من غير اعتبار ما ذكرناه، فالقول بذلك باطل.
وقرىء: يصدون ويصدون، جملة حالية، وأتت بالمضارع ليدل على استمرارهم، وهم مستكبرون{فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}: جملة حالية أيضاً.
وجاز حذف الهمزة لدلالة أم عليها، كما دلت على حذفها في قوله:
بسبع رمينا الجمر أم بثمان
يريد: أبسبع.
ليخرجن الأعز منها الأذل{عَلَيْهِمْ}: والحسن وابن أبي عبلة والسبي في اختياره: لنخرجن بالنون، ونصب الأعز والأذل، فالأعز مفعول، والأذل حال. وقرىء: مبنياً للمفعول وبالياء، الأعز مرفوع به، الأذل نصباً على الحال. ومجيء الحال بصورة المعرفة متأول عند البصريين، فما كان منها بأل فعلى زيادتها، لا أنها معرفة.
وقرأ الجمهور: فأصّدّق، وهو منصوب على جواب الرغبة؛ وأبي وعبد الله وابن جبير: فأتصدق على الأصل. وقرأ جمهور السبعة: وأكن{رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ} مجزوماً. قال الزمخشري: {وأكن} بالجزم عطفاً على محل {فأصدق}، كأنه قيل: إن أخرتني أصدق وأكن. انتهى. وقال ابن عطية: عطفاً على الموضع، لأن التقدير: أن تؤخرني أصدق وأكن، هذا مذهب أبي علي الفارسي. فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غير هذا، وهو أنه جزم وأكن على توهم الشرط الذي يدل عليه بالتمني، ولا موضع هنا، لأن الشرط ليس بظاهر، وإنما يعطف على الموضع، حيث يظهر الشرط كقوله تعالى: {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم}. فمن قرأ بالجزم عطف على موضع {فلا هادي له}، لأنه لو وقع هنالك فعل كان مجزوماً. انتهى. والفرق بين العطف على الموضع والعطف على التوهم: أن العامل في العطف على الموضع موجود دون مؤثره، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود. وقرأ الحسن وابن جبير وأبو رجاء وابن أبي إسحاق ومالك بن دينار والأعمش وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري وأبو عمرو: وأكون بالنصب، عطفاً على {فأصدق}، وكذا في مصحف عبد الله وأبي. وقرأ عبيد بن عمير: وأكون بضم النون على الاستئناف، أي وأنا أكون.
الأحد أغسطس 22, 2010 3:16 pm من طرف حسن البنا