سورة القلم
اثنتان وخمسون آية مكية
وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره: ن حرف من حروف المعجم، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم، فهو إذن حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور. انتهى. ومن قال إنه اسم الدواة أو الحوت وزعم أنه مقسم به كالقلم، فإن كان علماً فينبغي أن يجر، فإن كان مؤنثاً منع الصرف، أو مذكراً صرف، وإن كان جنساً أعرب، ونون وليس فيه شيء من ذلك فضعف القول به.
وسعيد بن جبير وعيسى: بخلاف عنه بفتحها، فاحتمل أن تكون حركة إعراب، وهو اسم للسورة أقسم به وحذف حرف الجر، فانتصب ومنع الصرف للعلمية والتأنيث، ويكون والقلم{مَّعِينٍ * ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأّجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَتُنَا قَالَ أَسَطِيرُ الأٌّوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ * إِنَّا بَلَوْنَهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُواْ عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَرِمِينَ} معطوفاً عليه. واحتمل أن يكون لالتقاء الساكنين، وأوثر الفتح تخفيفاً كأين، وما يحتمل أن تكون موصولة ومصدرية.
وجواب القسم: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}. ويظهر أن {بنعمة ربك} قسم اعترض به بين المحكوم علىه والحكم على سبيل التوكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم عنه صلى الله عليه وسلّم وقال ابن عطية: {بنعمة ربك} اعتراض، كما تقول للإنسان: أنت بحمد الله فاضل. انتهى. ولم يبين ما تتعلق به الباء في {بنعمة}. وقال الزمخشري: يتعلق {بمجنون} منفياً، كما يتعلق بعاقل مثبتاً في قولك: أنت بنعمة الله عاقل، مستوياً في ذلك النفي والإثبات استواءهما في قولك: ضرب زيد عمراً، وما ضرب زيد عمراً تعمل الفعل مثبتاً ومنفياً إعمالاً واحداً، ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعماً عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي.
وما ذهب إليه الزمخشري من أن {بنعمة ربك} متعلق {بمجنون}، وأنه في موضع الحال، يحتاج إلى تأمل، وذلك أنه إذا تسلط النفي على محكوم به، وذلك له معمول، ففي ذلك طريقان: أحدهما: أن النفي يتسلط على ذلك المعمول فقط، والآخر: أن يتسلط النفي على المحكوم به فينتفي معموله لانتفائه بيان ذلك، تقول: ما زيد قائم مسرعاً، فالمتبادر إلى الذهن أنه منتف إسراعه دون قيامه، فيكون قد قام غير مسرع. والوجه الآخر أنه انتفى قيامه فانتفى إسراعه، أي لا قيام فلا إسراع، وهذا الذي قررناه لا يتأتى معه قول الزمخشري بوجه، بل يؤدي إلى مالا يجوز أن ينطق به في حق المعصوم صلى الله عليه وسلّم
{بأيكم المفتون} فقال قتادة وأبو عبيدة معمر: الباء زائدة، والمعنى: أيكم المفتون؟ وزيدت الباء في المبتدأ، كما زيدت فيه في قوله: بحسبك درهم، أي حسبك. وقال الحسن والضحاك والأخفش: الباء ليست بزائدة، والمفتون بمعنى الفتنة، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً؟ وقال الأخفش أيضاً: بأيكم فتن المفتون، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ففي قوله الأول جعل المفتون مصدراً، وهنا أبقاه اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف. وقال مجاهد والفراء: الباء بمعنى في، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون؟ انتهى. فالباء ظرفية، نحو: زيد بالبصرة، أي في البصرة، فيظهر من هذا القول أن الباء في القول قبله ليست ظرفية، بل هي سببية.
{ودوا لو تدهن}: لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن، أي ودوا ادهانكم، وتقدم الكلام في ذلك في قوله تعالى: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة}، ومذهب الجمهور أن معمول ود محذوف، أي ودوا ادهانكم، وحذف لدلالة ما بعده عليه، ولو باقية على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره، وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك.
وفيدهنون عطف على تدهن. وقال الزمخشري: عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف، أي فهم يدهنون كقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف}، بمعنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، أو ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك. انتهى. وجمهور المصاحف على إثبات النون. وقال هارون: إنه في بعض المصاحف فيدهنوا، ولنصبه وجهان: أحدهما أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت؛ والثاني أنه على توهم أنه نطق بأن، أي ودوا أن تدهن فيدهنوا، فيكون عطفاً على التوهم، ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل لو مصدرية بمعنى أن.
قال ابن عطية ما ملخصه، قرأ النحويان والحرميان وحفص وأهل المدينة: {أن كان} على الخبر؛ وباقي السبعة والحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر: على الاستفهام؛ وحقق الهمزتين حمزة، وسهل الثانية باقيهم. فأما على الخبر، فقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يعمل فيها عتل وأن كان قد وصف. انتهى، وهذا قول كوفي، ولا يجوز ذلك عند البصريين. وقيل: {زنيم} لا سيما على قول من فسره بالقبيح الأفعال. وقال الزمخشري: متعلق بقوله: {ولا تطع}، يعنى ولا تطعه مع هذه المثالب، {لأن كان ذا مال}: أي ليساره وحظه من الدنيا، ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متمولاً مستظهراً بالبنين، كذب آياتنا ولا يعمل فيه، قال الذي هو جواب إذا، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب. انتهى. وأما على الاستفهام، فيحتمل أن يفسر عامل يدل عليه ما قبله، أي أيكون طواعية لأن كان؟ وقدره الزمخشري: أتطيعه لأن كان؟ أو عامل يدل عليه ما قبله، أي أكذب أو جحد لأن كان؟
والكاف في {كما بلونا} في موضع نصب، وما مصدرية. وقيل: بمعنى الذي، وإذ معمول لبلوناهم ليصرمنها جواب القسم لا على منطوقهم، إذ لو كان على منطوقهم لكان لنصرمنها بنون المتكلمين.
{أن لا يدخلنها}: أي يتخافتون بهذا الكلام وهو لا يدخلنها، وأن مصدرية، ويجوز أن تكون تفسيرية. وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة: لا يدخلنها، بإسقاط أن على إضمار يقولون، أو على إجراء يتخافتون مجرى القول.
وقرأ الجمهور: {إن لكم} بكسر الهمزة، فقيل هو استئناف قول على معنى: إن لكم كتاب فلكم فيه متخير. وقيل: أن معمولة لتدرسون، وكسرت الهمزة من أن لدخول اللام في الخبر، وهي بمعنى أن بفتح الهمزة، قاله الزمخشري وقرأ طلحة والضحاك: أن لكم بفتح الهمزة، واللام في لما زائدة كهي في قراءة من قرأ الا أنهم ليأكلون الطعام بفتح همزة أنهم. وقرأ الأعرج: أإن لكم على الاستفهام.
وقرأ الجمهور: بالغة{تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَنٌ عَلَيْنَا بَلِغَةٌ} بالرفع على الصفة، والحسن وزيد بن علي: بالنصب على الحال من الضمير المستكن في علينا. وقال ابن عطية: حال من نكرة لأنها مخصصة تغليباً. {إن لكم لما تحكمون}: جواب القسم، لأن معنى {أم لكم أيمان علينا}: أم أقسمنا لكم، قاله الزمخشري.
وسل معلقة عن مطلوبها الثاني، لما كان السؤال سبباً لحصول العلم جاز تعليقه كالعلم، ومطلوبها الثاني أصله أن يعدى بعن أو بالباء، كما قال تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام{تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ}، وقال الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإننيعليم بأدواء النساء طبيب ولو كان غير اسم استفهام لتعدى إليه بعن أو بالباء، كما تقول: سل زيداً عن من ينظر في كذا، ولكنه علق سلهم، فالجملة في موضع نصب.
{يوم يكشف عن ساق}: وعلى هذا القول الناصب ليوم فليأتوا. وقيل: اذكر، وقيل التقدير: يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت.
و{خاشعة}: حال، وذو الحال الضمير في {يدعون}.
ومن في موضع نصب، إما عطفاً على الضمير في ذرني، وإما على أنه مفعول معه.
إذ نادى{سَلِمُونَ * فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}: فالعامل في إذ هو المحذوف المضاف، أي كحال أو كقصة صاحب الحوت.
والأصل في ذلك تتداركه، لأنه مستقبل انتصب بأن الخفيفة قبله.
وجواب لولا{مَكْظُومٌ * لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} قوله: {لنبذ بالعراء وهو مذموم}.
{لما سمعوا الذكر}: من يقول لما ظرف يكون العامل فيه {ليزلقونك}، وإن كان حرف وجوب لوجوب، وهو الصحيح، كان الجواب محذوفاً لدلالة ما قبله عليه، أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك.
الأحد أغسطس 22, 2010 3:17 pm من طرف حسن البنا