اختطاف الإسلام (إرضاع الكبير مجدداً)
بقلم د. رفعت سيد أحمد ٣٠/ ٦/ ٢٠١٠يصر دعاة فقه التخلف على أن يجعلوا من الإسلام العظيم «ملطشة» ومسخرة أمام العالم أجمع، فبعد أن هدأت عاصفة الفتوى الشهيرة التى أطلقها الدكتور عزت عطية، رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، فى مايو عام ٢٠٠٧، وكانت حول إباحة إرضاع المرأة العاملة لزميلها فى العمل حتى لا يتسبب فى فتنتها وحتى يسمح ذلك بالخلوة الشرعية معها، لأنه ساعتها سيصبح محرما عليها، ونتج عنها إيقافه عن العمل وإحالته للتحقيق، يومها أصدر شيخ الأزهر الراحل د.محمد سيد طنطاوى توصية جاء فيها: «إن ما أفتى به عزت عطية يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامى الحنيف ويخالف مبادئ التربية والأخلاق ويسىء إلى الأزهر الشريف».
ما إن هدأت العاصفة على الفتوى القديمة (٢٠٠٧) إلا وأصر اليوم (٢٠١٠) شيخ آخر من دعاة الوهابية المخالفة فى نشأتها وجوهرها وأهدافها لصحيح الإسلام (ولذلك حديث آخر)، على أن يعيد للأذهان، وللعالم، فتوى إرضاع الكبير مجددا، وهذا الشيخ هو عبدالمحسن العبيكان، وهو المستشار القضائى بوزارة العدل، وعضو مجلس الشورى بالسعودية، وكان عضوا بالهيئة المسماة «هيئة المناصحة للمتطرفين»، فإذا كان هذا هو حال (الناصح) وهذا هو مدى علمه فما بال (المنصوح)؟ هذا الشيخ الأعجوبة قال بأن الإسلام وأحاديث النبى (صلى الله عليه وسلم) أباحت إرضاع المرأة الرجل الكبير الأجنبى عنها، ولكن بوسائل غير مباشرة، أى بدون ملامسة الثدى، كيف؟
الشيخ الأعجوبة أجاب بأن ذلك يتم بأخذ الحليب بطريقة مناسبة (يعنى فى كأس مثلا) وإرضاعه للشخص المعنى، واستند الشيخ فى فتواه إلى حديث (يراه الفقهاء والعلماء ضعيفا) لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، وكذلك لفتاوى قديمة عفا عليها الزمن لابن تيمية، وليس من بين ما استند إليه الشيخ (آيات قرآنية) أو حتى النظرة الإنسانية السوية التى تأبى هذا (التخريف) المسمى بفتوى إرضاع الكبير. ورغم مرور أكثر من شهر على إلقاء هذا الشيخ لفتواه ورغم ردود الفعل المستنكفة لها، إلا أنه أصر عليها وعاد وأكدها فى عدة أحاديث صحفية، دونما خجل أو احترام لعقول المسلمين.
حول هذه الفتوى (انظر نصها فى موقع العربية-٢١-٥-٢٠١٠) التى أضحكت الناس على العلم والعلماء، بل أساءت أيما إساءة للإسلام، نسجل ما يلى:
أولا: تؤكد مثل هذه الفتوى، وغيرها من التى يتبناها هذا الفكر من قبيل: عدم كروية الأرض –حديث الذبابة –حديث أن المرآة شؤم- كفر من يهدى الزهور إلى المرضى لأنها عادة غربية – جواز قتل من يؤيد الاختلاط حتى ولو كان بهدف العلم – كفر الأشاعرة مذهب الأزهر الشريف والشيعة وكل من ليس على مذهب الوهابية، وغيرها من الفتاوى المستندة إلى أحاديث ضعيفة وأقوال لبعض الفقهاء القدامى تؤكد: إلى ضرورة تنقية التراث، وغربلته من قبل العلماء المتخصصين، الثقاة.
ثانيا: نحتاج إلى أن يتدخل من تبقى واعيا وشريفا من أولى الأمر فى هذه الأمة لإيقاف أصحاب هذا الفكر الضال، المضل، وإبعادهم عن مجالات الدعوة والفتوى، وتنقية الترهات التى تصدر عن فضائياتهم وعدم الخضوع لابتزازهم، كما هو حاصل، فخطرهم بات كبيرا،لأنه يؤسس ليس فحسب لفقه التخلف والجهل الذى يسىء للإسلام الصحيح، بل يؤسس أيضاً لفقه العنف والإرهاب ضد كل ما هو حضارى ومتمدين فى تاريخنا وزماننا.
■ إن فتوى (إرضاع الكبير) ليست مجرد فتوى صدرت عن وعاظ جهلة وانتهى الأمر، ولكنها عرض لأزمة متأصلة لفكر مأزوم، أزمة تيار له فى بلادنا وحدها (٣٤ فضائية على النايل سات) تيار يريد اختطاف الدين واعتقاله، وإذا لم نواجهها أصلا بالفكر وبالفقه الإسلامى المستنير والجاد، فقل على هذا الدين وتلك الأمة السلام. والله أعلم.
الأحد يوليو 04, 2010 1:54 pm من طرف أبو عرفة