أنقل لكم أجزاء مترجمة من كتاب العالم الفلكى كارل ساجان عن - كوكب الأرض ..نقطة زرقاء باهته .-
يشرح لنا العالم الكبير موقف الأرض من الكون بشكل مبسط وسلس طارحا وسط عباراته فلسفة عميقة
لفهم الكون والإنسان ..
أكون سعيدا بطرح أجزاء من الكتاب وأكون أسعد عندما أكون أول من ينقلها لكم ..
قراءة ممتعة ..
نتيجة لما تمتعنا به من مزايا مادية بفضل حياة الاستقرار أصبحنا سريعي الغضب و غير مشبعي الحاجات و لكننا لم ننسى تجوالنا لآلاف السنين صائدين ننتشر بمجموعات في الغابات و كم كان تصور الخروج المنفرد إلى الصيد يثير السخرية لدينا كما كان الاستقرار أيضا يسبب نفس الصدى في نفوسنا و لكن لماذا نذهب بحثا عن الطعام إذا كنا نستطيع أن نجعله يأتي إلينا؟ فاستأنسنا النبات و دجّنا الحيوان . . .
ربما تكون حياتنا و حياة أجدادنا منذ آلاف السنين مدينة باستمرارها لزمرة صغيرة مفعمة بالقلق و التوتر و التّوق الشديد لاستكشاف الأراضي المجهولة و العوالم الجديدة , فهكذا أضفنا رومانسيتنا على الأماكن النائية عندما سمعنا أغنية طفولية منسية تتردد من نهاية الطرق المفتوح , و هكذا صيغ لنا إغراء المجهول من خلال الانتخاب الطبيعي كعنصر جوهري في بقائنا و استمرارنا.
كان العالم المعروف لليونان و الرومان هو أوروبا و جزء بسيط من آسيا و أفريقيا يحيط بها محيط لا يمكن اجتيازه و كانوا يلتقون بسفرهم بكائنات أدنى منهم يسمونهم الهمج و أعلى منهم يسمونهم آلهة و هذه الآلهة تعيش فوق الجبال أو تحت الأرض , في البحر أو في أعالي السماء و تبعث رسائل للبشر و تتدخل بشئونهم و تتزوج منهم و مع تزايد الاكتشافات بدأت المفاجئات فالبربر لديهم مهارات الإغريق و اليونان و أفريقيا و آسيا أكبر مما تصوّروا و المحيط يمكن اجتيازه و اكتشفوا ثلاث قارات جديدة و أكثر ما كان يحبطهم هو أنهم لم يجدوا أية آلهة.
منذ 11500 سنة حصلت أول هجرة بشرية إلى العالم الجديد بسبب تنامي قمم القطب الجليدي التي أدت إلى ضحالة مياه المحيطات فأصبح الوصول سيرا من سيبيريا إلى ألاسكا ممكنا , بعد مرور ألف عام و صلنا إلى تييرا دل فويجو و قام مغامرين أندونيسييّن باستكشاف الجزء الغربي من المحيط الهادي قبل كولومبوس بفترة طويلة جدا و اجتاز اسطول الينك المحيط الهندي من الصين و طاف المصريون و الليبيون حول أفريقيا و لاحقا في القرنين الثامن و التاسع عشر تسابق المستوطنون الأوروبيون , شرقا و غربا , تجارا و مستكشفون , لاستكشاف قارتين كبيرتين و تحدي المجهول (كانت جديدة بالنسبة للأوروبيين ).
و يبدو أن الاستكشاف و تسخير الطبيعة ليست حكرا على عرق أو لون دون غيره بل هي موهبة طبيعية يشترك فيها أفراد الجنس البشري فمنذ ظهورنا على هذا الكوكب منذ بضع ملايين من السنين و نحن هائمين على وجوهنا نطوف في جميع الاتجاهات . أما الآن فقد سكنّا كل قارة و أبعد جزيرة من القطب إلى القطب ,من قمة إفرست إلى البحر الميت و فوق قيعان المحيطات و أحيانا في مسكن ارتفاعه 200ميل , فهل أخذنا مكان الآلهة التي اعتقدنا أنها تسكن أعالى السماء؟
أن الهجرات البشرية على هذا النطاق الواسع لن تتوقف عن الحدوث و لكن هذه المرة ستكون بسبب الحروب و الاضطهاد و المجاعات , و خاصة مع ما سيشهده مناخ الكوكب من تغيرات . سنظل نتمتع باستكشاف المجهول و الذهاب إلى أماكن غريبة فتيارات البشر ستستمر بالتدفق في هذا الكوكب و لكن البقاع التي نقصدها الآن مأهولة و نعلم أنها مسكونة ببشر لن يتعاطفوا مع و ضعنا , كيف ستكون حالنا عندما نهاجر إلى أماكن ربما غير مأهولة بالحياة؟
عندما نظر أجدادنا الأوائل إلى السماء و راقبوا النجوم وجدوا خمسا منها ليست مجرد أضواء معلقة بليدة بل كانت تتحرك بصورة معقدة و لافتة للنظر و على مدى شهور تتجول و تصنع حلقات و الآن نطلق عليها اسم الكواكب (Planets ) و هي الكلمة اليونانية الدالة على (المتجولين) و أثناء اكتشافنا كوكب الأرض أصبحنا نعلم أن الأرض هو أحد العوالم التي تدور حول الشمس بسبب الجاذبية و أحد مليارات الكواكب الموجودة في منظومات شمسية أخرى تشكل درب اللبانة و هكذا فإننا محاطين بمحيط كوني جديد و كبير جدا و لكن هذه المرة ليس من المتعذر عبوره كما كان سابقا.كل هذه العوالم التي لا تحصى , إنها تدعونا إليها و تعدنا بفرص لا تحصى.
استطعنا تحقيق أمور مذهلة عبر العقود القليلة الماضية منذ بدء الطيران الناجح بين الكواكب في 1962م فقامت آلاتنا بالتحليق في فضاء ما بين الكواكب و الهبوط على ما يزيد عن سبعين عالما جديدا و فحصنا جميع نقاط الضوء تلك الممتدة بين عطارد و زحل , و التي أذهلت أجدادنا بتجوالها , فحصا دقيقا و تجولنا بين المتجولين و عثرنا في تلك العوالم على هضاب بركانية يبدو بجوارها أعلى جبل على الأرض قزما و وجدنا وديانا لأنهار قديمة على كوكبين و مما يثير الدهشة أن أحدهما حار جدا و الآخر بارد جدا , و كوكب عملاق يسيل في باطنه هيدروجين معدني يمكن أن يسع ألف كوكب مثل الأرض , و مكان آخر مغطى بالسحب يتكون غلافه الجوي من أحماض و حرارة سهوله الواسعة أعلى من نقطة انصهار الرصاص و , وجدنا أسطح قديمة هي سجلات لعملية التشكل العنيف للمجموعة الشمسية , و عوالم جليدية لاجئة , و منظومات الحلقات بنماذجها الرائعة في رسم توافقات الجاذبية , كل هذه العوالم تدور بصمت حول الشمس.لقد بدأنا نفهم كوكب الأرض على نحو أفضل عندما كشفنا عن حقيقة تلك الأضواء التي تتلألأ في سماء الليل و استطعنا معرفة أصول كوكبنا و أنفسنا من خلال اكتشاف ما قد يكون ممكنا أن يتعرض له عالمنا مقارنتا مع ما أصاب عوالم أخرى.
أمضت بعثة الروبوت في سفينة الفضاء فايكنج التي بدأت في 1976م عاما على المريخ و فحصت صخوره الضخمة المستديرة و كثبانه الرملية و سمائه الحمراء اللون و وديان أنهاره القديمة و الجبال البركانية العالية فضلا عن التعرية الريحية العنيفة و صفائح منطقته القطبية و قمريه و هما:(Phobos ) أي الخوف و (Deimos ) أي الرعب(حسب تسميات هال ) و بالرغم من الفحص الدقيق لم نتأكد من وجود حياة عليه بشكل كامل.
استطعنا أن نتحرك عبر أرجاء المجموعة الشمسية و أرسلنا أربع سفن فضاء إلى خارجها. يبعد كوكب نبتون عن الأرض مسافة تزيد بمليون مرة على بعد مدينة نيويورك عن ضفاف نهر بج و لكننا على عكس أولائك الذين هاجروا من ضفاف نهر بج إلى نيويورك على خطى أقاربهم الذين سبقوهم , ليس لدينا أي أقارب بعيدين على سطح هذا الكوكب أو رسائل من لاجئين أو هاربين تساعدنا على فهم هذه البقاع.
كل ما لدينا بيانات رقمية بثها بسرعة الضوء روادنا الآليين تخبرنا أن هذا العالم يختلف بكل مظاهره عن عالمنا غير أننا نواصل البحث عن سكان
فالحياة تبحث عن الحياة
هدف هذا الكتاب هو فحص تلك المزاعم المنتشرة حول تفرد عالمنا و نوعنا و مركزيته بالنسبة لهدف الكون ثم القيام بمغامرة عبر أنحاء المنظومة الشمسية و بعدها تقييم الأسباب التي يرسل رواد الفضاء على ضوئها. انه إدراك جديد يلحق بنا ببطء , حول موقعنا و نظرتنا للكون و حول أن أهم العوامل التي يتوقف عليها مستقبل الإنسان يقع بعيدا عن كوكب الأرض بالرغم من كتمان دعوة الطريق المفتوح.
يتبع .... :-x
لادينى بالفطرة:
تحية وسلام ...
أنت هنا !
ابتعدت السفينة بسرعة 40 ألف ميل في الساعة في أوائل فبراير 1990م منطلقتا خلف مدار أبعد كوكب فوق مستوى دائرة البروج (سطح مستو تخيلي تنحصر داخله مدارات الكواكب),ثم تلقت رسالة عاجلة من كوكب الأرض تأمرها بإدارة آلات تصويرها نحو الكواكب البعيدة و تمكنت من التقاط 60 صورة رقمية و في شهور مارس و أبريل و مايو أرسلت البيانات إلى الأرض و كانت كل صورة تتكون من 640 ألف pixel , استغرق كل pixel منها خمس ساعات و نصف بسرعة الضوء لتصل إلى الأرض لأنها كانت تبعد مسافة 3,7بليون ميل عن الأرض و كان أيضا من الممكن أن تصل هذه الصور أسرع لكن التلسكوبات الراديوية في كاليفورنيا و استراليا و إسبانيا التي تستقبل تلك الهمسات من حافة المنظومة الشمسية لديها مسؤوليات تجاه سفن أخرى مثل ماجلان المتجهة نحو كوكب الزهرة و جاليليو في مسارها المتعرج نحو كوكب المشتري.
حلقت (فوييجر-1) فوق مستوى دائرة البروج لأنها مرت فوق تيتان العملاق عام 1981م أما (فوييجر-2) فقامت باستكشافاتها الشهيرة لأورانوس و نبتون من داخل دائرة البروج. إشتكشفت السفينتان أربعة كواكب و حوالي 60 قمرا و كان تصميمهما مبني على أن تعملا حتى تصلا لزحل . نظرة أخيرة خاطفة على الوطن بيّنت لنا أن كوكب الأرض يظهر من عند زحل صغيرا جدا على نحو لا يمكن تمييز أي من تفاصيله و يبدو مجرد نقطة ضوء متشابهة مع ما يحيطها من نقاط أخرى أعني الكواكب القريبة.
أمدتنا السفن المدارية بمنظور عن كوكبنا يماثل ما تحصل عليه إذا وجهت بصرك لكرة جغرافية كبيرة ولكننا لم نبدأ بادراك واقع حالنا بالفعل إلا بعد الصورة الشهيرة التي التقطها رواد (أبوللو-17) في آخر رحلة بشرية للقمر و أصبحت بمنزلة أيقونة عصرنا. بالرغم من ما تشتمله هذه الصورة من تفاصيل و لكن لا يوجد فيها أي دلالة على وجودنا أو ما قمنا به من إعادة تشكيل لسطح الأرض فنحن صغار جدا و لا يمكن أبدا أن نرى عن طريق سفينة ما بين الأرض و القمر و من تلك المسافة لا يوجد أي دليل على تسلط القومية علينا فنحن كبشر نعتبر كمّا مهملا و غشاء رقيق من الحياة فوق كتلة غامضة و منعزلة من الصخر و المعدن.
لقد انتظرنا من 1981م عند زحل إلى 1986م عند أورانوس و حتى 1989م عندما تجاوزت السفينتين مداري نبتون و بلوتو و لكوننا كنا محتاجين لتوجيه الكاميرا نحو الشمس بحيث سنخاطر باحتراق نظام صمام التصوير في السفينتين و لذلك انتظرنا هذه المدة الطويلة حتى نلتقط الصور لأن الأرض تقع قريبا جدا من الشمس إذا نظرت إليها من المنظومة الشمسية الخارجية و تبدو كفراشة تحلق بافتتان حول لهب.
واجهنا بعض الاعتراضات حول التقاط هذه الصور و تدخل ريتشارد ترولي الذي كان حينذاك مدير ناسا ليؤكد عل ضرورة الحصول على هذه الصور و قام عالما الفضاء : كاندي هانسن , بمختبر الدفع النفاث التابع لناسا , و كارولين بوركو , بجامعة أريزونا , بتصميم متتابعة للأوامر و حساب فترات تعريض الكاميرا.و هكذا كانت الصورة عبارة عن فسيفساء من المربعات مرسومة على قمة الكواكب و خلفية م نجوم تتناثر هنا و هناك. تم تصوير خمسة كواكب أخرى إضافة للأرض , عطارد كان مفقودا في وهج الشمس في حين بدا المريخ و بلوتو صغيرين و بعيدين جدا أما أورانوس و بلوتو فقد كانا عتمين جدا و صورهما غير واضحة .
هذه هي الكواكب كما يمكن أن تبدو لسفينة فضاء غريبة تقترب من المجموعة الشمسية. من تلك المسافة تبدو الكواكب محض نقط من الضوء كما نراها نحن من سطح الكرة الأرضية , أي مجرد نقاط مضيئة أكثر تألقا من غالبية النجوم و الأرض مثل غيره من الكواكب و لا يمكن بمجرد النظر إليها أن تحدد شكلها أو تعرف ما يوجد عليها أو ماضيها أو إذا كان هناك من يعيش عليها في هذه الحقبة الإستثنائية؟!
ترى ما سبب هذا اللون الأزرق السماوي؟ يرجع الأزرق جزئيا إلى البحر و جزئيا إلى السماء و بينما تجد الماء شفاف في كوب زجاجي فإنه يمتص من الضوء الأحمر ما يزيد قليلا على ما يمتصه من الضوء الأزرق و بالتالي انعكاس الضوء الأزرق على مستوى المحيطات يسبب هذه الظاهرة.
بالكيفية نفسها , يبدو خط الرؤية قصيرا شفافا تماما خلال الهواء و على الرغم من ذلك كلما ازداد بعد الشيء بدا أكثر زرقة , ترى ما السبب؟ ذلك يحدث لأن الهواء يفرق الضوء الأزرق في كل مكان على نحو أفضل مما يفعل بالنسبة للضوء الأحمر.
إذن , اللون الأزرق لهذه النقطة يأتي من غلافها الجوي السميك و الشفاف و محيطاتها العميقة المحبّة للضوء الأزرق . بقي اللون الأبيض؟ السحب المائية البيضاء تغطي حوالي نصف كوكب الأرض في أي يوم عادي.
نحن نستطيع تفسير هذه الصور لأنه كوكبنا و لكن الأقل تأكيدا أن ينجح غرباء عن منظومتنا الشمسية في تقديم تحليل صحيح فكوكب نبتون على سبيل المثال لونه أزرق و لكن لأسباب مختلفة. من تلك البقعة البعيدة لا يبدو لكوكب الأرض أي أهمية خاصة و لكن بالنسبة لنا الأمر يختلف جدا.
إنه هناك !! الوطن ! ها نحن , على هذه الكرة يوجد كل من تحب , كل من تعرف , كل من سمعت عنه, كل إنسان وجد في أي وقت. جميع أفراحنا و معاناتنا و آلاف الأديان و الإيديولوجيات و المذاهب الاقتصادية الواثقة . كل قناص أو مغير,كل بطل أو جبان , كل مبدع أو مدمر للحضارة , كل ملك أو فلاح , كل شاب و فتاة متحابين, كل أم و كل أب و كل طفل واعد , كل سياسي فاسد , كل نجم لامع , كل قائد أعلى , كل قديس أو آثم في تاريخ نوعنا قد عاش هنا على هذه الذرة من الغبار. تأمل أنهار الدماء التي أراقها الجنرالات و الأباطرة حتى يصبحوا أسيادا و لفترة وجيزة خاطفة على كسرى ضئيلة من هذه النقطة,إننا بصعوبة يمكن أن نميزهم بعضهم عن بعض.ترى ما مدى سوء الفهم بينهم و ما مدى رغبتهم في قتل بعضهم بعضا و مدى كراهيتهم لبعضهم بعضا؟
إن نقطة الضوء الباهتة هذه تتحدى أوضاعنا المصطنعة و ما نزعمه لنفسنا من أهمية ذاتية فضلا عن أوهام وضعنا المتميز في الكون . إن كوكبنا بقعة ضوئية ضئيلة في ظلام كوني فسيح حيث لا تبدو أي إشارة إلى أن مساعدة ما ستأتي من مكان آخر لتنقذنا من أنفسنا. كوكب الأرض هو العالم الوحيد المعروف حتى الآن كمأوى للحياة و لا نملك أي مكان آخر ليهاجر إليه نوعنا في المستقبل.
لا يوجد توضيح لحماقة تصورات الإنسان أفضل من هذه الصورة المأخوذة عن بعد لعالمنا الصغير, و بالنسبة لي هذه الصورة تأكد مسؤوليتنا في التعامل مع بعضنا البعض بمزيد من الرعاية و التعاطف و في حماية هذه النقطة الزرقاء الباهتة و الاعتزاز بها . . . . فهي الوطن الوحيد الذي عرفناه.
يتبع .... :-x
لادينى بالفطرة:
تحية طيبة ... 8-)
يكون العلم تظريات ومعادلات جافة وقاسية ..ولكن إذا حاولنا أن نتأمل الكون والوجود بعد أن تشبعنا ببعض المعلومات عنه
سنخرج بفكر وفلسفة جميلة وعميفة ..
يأتى هذا الكلام فى سياق الجزء المقدم لكم الأن والذى يعتبر من الأهمية بمكان .
انحرافات الضوء
حاول تطبيق التجربة التالية :
انظر جيدا إلى النقطة الزرقاء الباهتة التي تحدثنا عنها و تأمل فيها جيدا و حاول أن تقنع نفسك أن الله (أو أيا كان اسمه) قد خلق الكون كله من أجل نوع واحد من العشرة ملايين نوع من الحياة التي تسكن ذرة الغبار تلك. . . . و الآن تخيل أن كل شيء صنع من أجل عرق ما أو دين ما . . . و إذا لم تتأثر بذلك فعليك أن تختار نقطة أخرى و تتخيل أنها مأهولة بشكل من أشكال الحياة و يعتقد أصحابها أيضا أن إلها ما خلق كل شيء من أجلهم و لصالحهم . . . ترى, بأي قدر ستتناول زعمهم هذا؟
قال لابنته : " انظري إلى هذا النجم "
سألته : " أتعني النجم الأحمر الساطع؟ "
قال : " نعم , أتعرفين أن هذا النجم قد لا يكون موجودا الآن ؟ , ربما يكون قد انتهى بالفعل إمّا لأنه انفجر أو لسبب آخر . إن ضوءه فقط هو الذي لا يزال يعبر الفضاء و يصل إلى عيوننا الآن . و لكننا لا نراه كما هو , بل كما كان ".
لماذا هذه الدهشة عند مواجهة هذه الحقيقة ؟ و لماذا كل الاهتمام بالموضوع؟
إن الضوء في عالمنا (كوكب الأرض) ينتقل بسرعة كبيرة جدا و لا نستطيع تفهم الموقف بسهولة و ذلك لأن المصباح الكهربائي المعلق بسقف الغرفة و الذي يعمل بسبب سلك صغير نستطيع إن نشعر بحرارته إذا مددنا يدنا إليه و هو موجود هناك دون شك و سيتوقف عن العمل إذا قطع السلك و لن يبقى متوهجا في الغرفة لسنوات بعد قطع السلك و تحطيم المصباح فهذه الفكرة تبدو غير معقولة.
إذا كنا بعيدين جدا ,,,, بقدر كاف ,,,, فشمسنا , يمكن أن تنطفئ و نبقى نراها متوهجة لسنوات و دون أن نعلم أنها خبت , سنوات تعادل الزمن الذي يستغرقه الضوء لقطع المسافة الشاسعة الفاصلة , فالضوء ينتقل بسرعة و إن كانت سرعته هذه ليست لا نهائية. المسافات الشاسعة التي تفصل بين النجوم و المجرات تعني أن كل ما نراه في الفضاء ينتمي إلى الماضي و بعضها كما كان قبل أن يوجد كوكب الأرض فالتلسكوب يماثل آلة الزمن.
تبدو مقولة تمركز الإنسان في وسط الكون طبيعية جدا فهي تستمد أسباب بقائها من الينابيع النفسية مثلها مثل التمييز الجنسي بين ذكر و أنثى و التعصب العرقي و العنصرية و القومية و غيرها من النزعات الشوفينية التي يبتلي بها نوعنا الإنساني.
تسللت الطموحات النسبية إلى الرؤية العلمية للعالم و كثير من النقاشات في تاريخ العلم تتصارع حول إذا ما كان البشر متميزون , و دراسة هذه الفرضية جيدا تثبت أننا لسنا كذلك.
إن فكرة تمركز الإنسان في الكون هي دون شك نظرة أسلافنا الذين طافوا و أغاروا بحثا عن الطعام و الصيد فكانت النجوم و القمر و الشمس هي مرشدهم في طريقهم و عندما اعتنقوا الزراعة , كانت السماء و كل ما فيها السبيل الوحيد لمعرفة الوقت و فصول السنة فلم تكن أبدا بالنسبة لهم حركة الأجرام السماوية محض تسلية أو مصادفة بل على العكس بدت لهم بشكل مقنع جدا أنها موظفة لغرض ما , من أجل مصلحتهم فهي تشرق و تغرب من حولهم , أليس هذا سببا لاستنتاج أنهم في مركز الكون؟
لقد قال الفلكي العظيم كلوديوس بطليموس في القرن الثاني أن الأرض كروية و حجمها يماثل نقطة مقارنة ببعد النجوم و علّم تلاميذه أنها تقع " في وسط الكون تماما" و آمن بهذا الوهم أرسطو و أفلاطون و القدّيس أوغسطين و القديس توما الأكويني و كل الفلاسفة و العلماء العظام لما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة انتهاء بالقرن السابع عشر.من هذا المنطق , كانت الفكرة مجرد تقدير استقرائي سطحي لزعم يتسم بالمبالغة الحمقاء . واصلت الأرض بعناد دورانها حول الشمس بغض النظر عن كم ملك أو بابا أو فيلسوف أو عالم أو شاعر قد أصر على العكس. أي مراقب خارجي حيادي , خارج كوكب الأرض , يتجه ببصره للأسفل و يرانا نثرثر " لقد خلق الكون من أجلنا ! و نحن في مركزه ! و كل شيء يقدم لنا واجب الاحترام " , سيقول إن هذا كوكب البلهاء.
بدأت القضية تصبح محل اعتراض رسمي منذ كوبرنيكوس في منتصف القرن السادس عشر و صورة الشمس كمركز للكون أصبحت تمثل خطورة. و قد سارع طلاب العلم مجبرين للتأكيد للسلطة الدينية أن هذه الفرضية لا تمثل أي تحد جدّي للنظرة التقليدية الدينية و كحل وسطي تم تناول نظام مركزية الشمس باعتباره توافق حسابي محض و ليس بوصفه حقيقة فلكيّة .
كتب روبرت كاردينال بيلارمين رجل اللاهوت الأول في الفاتيكان في القرن 17
" إنه يفي بالغرض بالنسبة لعلماء الرياضيات , و لكن التأكيد على أن الشمس ثابتة بالفعل في مركز السماوات , و أن الأرض تدور حولها بسرعة كبيرة يعد أمرا خطيرا لا يثير سخط علماء اللاهوت و الفلاسفة فحسب , و إنما يجرح أيضا معتقداتنا المقدسة , و يجعل كتابنا المقدس شيئا زائفا"
و كتب أيضا : " إن حرية الإعتقاد ضارة " و في مناسبة أخرى " إنها ليست سوى حرية أن تخطىء"
اكتشف جاليليو عندما صوب أول تلسكوب نحو السماء , أن المشتري يمتلك حاشية ضعيفة من الأقمار و أن أقماره الداخلية تدور في مدارات بدرجة أسرع من دوران أقماره الخارجية في مداراتها و وجد أيضا أن كوكبي عطارد و الزهرة مرّا بأطوار مثل القمر و يدوران حول الشمس أيضا. و علاوة على ذلك , إن الشمس ببقعها و القمر بفوهاته البركانية يتحديان كمال السماوات.
ألا تعد هذه الحقائق أرسخ للكون من جميع تخمينات رجال الدين ؟
إنها تتناقض مع من يؤمن أن دينه معصوم عن الخطأ و لذلك هدد أمراء الكنيسة الفلكي العجوز بتعذيبه إذا أصر على تعليم ذلك المبدأ البغيض القائل بحركة الأرض و حكموا عليه بالإيقاف داخل أحد المعتقلات بقية حياته. و بعد أن أقام اسحق نيوتن الدليل على أن الفيزياء البسيطة الرائعة قادرة أن تفسر كميا و تتنبأ بحركات القمر و الكواكب كافة , تآكلت فكرة مركزية الأرض بدرجة كبيرة.
في عام 1725م , كشف الفلكي الهاوي الإنكليزي المثابر جيمس برادلي عن انحراف الضوء. من خلال مراقبة النجوم لمدة عام كامل , إتّضح أنها في حركتها تتبع مسار قطوع ناقصة صغيرة بالمغايرة مع السماء و تبيّن أن جميع النجوم تفعل ذلك و لا يمكن أن يعد ذلك تغيّر في موضع النجوم لأنه يمكن توقع تغير كبير في الموقع بالنسبة للنجوم القريبة و آخر يصعب تبيانه بالنسبة للبعيدة.
بدل ذلك يمكن القول أن انحراف الضوء يماثل قطرات المطر التي تسقط مباشرة على سيارة مسرعة فتبدو للمارة و كأنها تسقط بميل أو انحدار.
كذلك الأرض , لو كانت ثابتة في مركز الكون و لا تتحرك بسرعة حول الشمس, لما كان برادلي قد كشف عن انحراف الضوء .أقنعت هذه الحقيقة غالبية علماء الفلك و غيرهم و لكنها لم تقنع " المعادين لكوبرنيكوس " كما قال .
في عام 1837م , أثبتت عمليات الملاحظة المباشرة للنجوم أن الأرض تدور حول الشمس . و تفسير الاختلاف السنوي للمنظر عبر استخدام أدوات أفضل , قد دقّ المسمار الأخير في نعش مركزية الأرض و إذا نظرت لإصبعك بعينك اليمنى ثم اليسرى ثم اليمنى ستراه متحركا و ستفهم معنى اختلاف المنظر . مع حلول القرن 19 كان جميع العلماء الذين طرحوا فكرة مركزية الأرض قد غيّروا رأيهم أو انقرضوا.
لقد استطعنا سبر أغوار الكواكب باستخدام الرادار و عندما نحقق ارتداد إشارة عن قمر زحل , فلا نستقبل أي استجابة بالراديو من أي كرة بلورية أقرب , كما تضمنت نظرية مركزية الأرض. عندما تطير سفننا إلى المريخ , مثلا , لا نسمع أي أصوات رنّانة و لا نجد قطع من بلورة مكسورة عندما تشق طريقها عبر " الكرات " التي تدفع كوكب الزهرة أو الشمس في حركتهما حول المركز الأرضي وفقا للآراء الواثقة التي سادت لآلاف السنين .
يتبع ... :-x
لادينى بالفطرة:
تحية وسلام ... 8-)
الاستنزالات الكبيرة للمكانة
في القرن السابع عشر , بقي أمل أن يكون كوكب الأرض هو (العالم) الوحيد و إن لم يكن في مركز الكون ولكن جاليليو بتلسكوبه الأول كشف (أن القمر بالتأكيد لا يمتلك سطح أملس و مصقولا) و أن عوالم أخرى تبدو (مثل وجه الأرض ذاته بالضبط) و ذلك أوضح أنها عوالم تماثل الأرض بجبالها و فوهاتها و أغلفتها الجوية و سحبها و من هنا حسمت القضية لصالح (تعدد العوالم) .
من خلال البحث في حقائق جاليليو , ألحق العلم جراحا عميقة في كبرياء الإنسان في سلسلة من الإستنزالات الكبرى للمكانة و بقي البعض يأمل أن تكون الشمس في مركز الكون بما أن الأرض ليست كذلك لإنقاذ جزء من كبريائنا. و في القرن التاسع عشر , أوضح علم الفلك أن شمسنا ليست سوى نجم ذاتي الجاذبية بين مجموعة من النجوم تسمى درب اللبّانة و تقع في قطاع من ذراع لولبي قاتم و يحيط بها كواكب معتمة بالغة الصغر و تبعد 30 ألف سنة ضوئية عن مركز المجرة.
استمر الأمل بأن تكون درب اللبانة هي المجرة الوحيدة و لكنها كانت واحدة من بلايين ربما لا نلاحظها و قد أوضحت بعض الصور الحديثة لعمق السماء خلف درب اللبانة , وجود مجرات تزيد على عدد نجوم درب اللبانة.!!. و هي حقا موعظة عميقة في التواضع.
و استمر الأمل أن تقع مجرتنا في مركز الكون و لكن هذا غير صحيح كذلك , و عند الكشف الأول عن تمدد الكون انجذب البعض إلى فكرة اعتبار درب اللبانة مركزا للتمدد بما أن المجرات الأخرى تفر بعيدا عنّا و لكننا ندرك أن علماء الفلك في أي مجرة سيرون أن المجرات الأخرى تفر عنهم مبتعدة و واقع الأمر أنه لا يوجد مركز للتمدد و لا نقطة بداية للانفجار الكبير على الأقل في الفضاء المألوف ثلاثي الأبعاد.
و استمر البعض يجادل , حتى بوجود بلايين المجرات و كل منها تشتمل على بلايين النجوم فلا يوجد أي نجم آخر لديه كواكب بالتالي لا يوجد حياة خارج منظومتنا الشمسية و هكذا حاولوا المحافظة على تفرّدنا... و لكننا اليوم نملك دليل قاطع على وجود ثلاثة كواكب على الأقل تدور حول نجم شديد الكثافة و هو البلسار (مصدر سماوي تنبعث منه نبضات مت أشعة كهرومغناطيسية تتميز بفواصل قصير و ثابتة نسبيا مقدارها 0,033 من الثانية و يعتقد أنه نجم نيوتروني دوّار) الذي سمي B1257+12 . و بالنسبة للنجوم التي تماثل كتلها كتلة الشمس فقد وجدنا أن نصف هذه النجوم كانت محاطة في مساراتها المبكرة بأقراص ضخمة من الغاز و الغبار التي يبدو أن الكواكب تشكلت منها و المنظومات الكوكبية , تبدو في الكون شيئا مألوفا و تشبه عوالمها إلى حد ما كوكب الأرض.
و استمر الجدل حول أن موقعنا في الزمان يكشف عن دور متميّز على عكس موقعنا في المكان فقد كنا في الكون منذ البداية و أعطانا الخالق مسؤوليات خاصة.
تبدو الفكرة معقولة إذا كان القياس على فترة قصيرة(مئات أو آلاف من السنين) حيث أننا إذا جمعنا الأنساب في سفر التكوين فسوف نحصل على عمر لكوكب الأرض يصل إلى 6آلاف سنة . يقال إن الكون قديم جدا يماثل قدمه عمر كوكب الأرض ! و هذا معيار اليهود و المسيحيين و الأصوليين الإسلاميين و لكن هذا القول يطرح تساؤل خطير و هو :
كيف يعقل وجود بعض الأشياء الفلكية التي تبعد أكثر من 6آلاف سنة ضوئية ؟
عندما ننظر إلى درب اللبانة فإن الضوء الذي نراه يكون قد ترك مصدره منذ 30 ألف سنة ضوئية مضت و أقرب مجرة لولبية (M31) تبعد 2مليون سنة ضوئية و نحن نراها كما كانت منذ 2مليون سنة و الكوازارات التي تبعد خمس بلايين سنة ضوئية أي قبل أن تتشكل الأرض و هكذا فإن هذه الأرقام تدل على أعمار أكبر بكثير من عمر الأرض, فما العمل للمصالحة بين ما لدينا من بيانات و ما ورد في الكتب الدينية ؟
الحل الوحيد هو القول أن الله قد خلق مؤخرا فوتونات الضوء التي تصل إلينا بصورة متماسكة !! لتضليل أجيال من علماء الفلك و إيقاعهم بسوء فهم عن وجود المجرات وأشباه النجوم و ثم دفعهم إلى الوصول إلى نتيجة مزيّفة بشأن اتساع الكون و قدمه!! أجد صعوبة كبيرة في تصديق أن أي إنسان مهما كان إخلاصه للوحي الإلهي بأي كتاب ديني يمكن أن يعتقد و يقتنع بجدية في ذلك.
إضافة إلى أن تاريخ النشاط الإشعاعي للصخور و وفرة فوهات التصادم في عدد من العوالم و تطور النجوم وتمدد الكون تقدم دليلا دامغا على أن عمر كوننا يصل إلى عدة بلايين من السنين.
يجب التمييز بين عمر الكون (15بليون سنة منذ الانفجار الكبير)
و عمر كوكب الأرض (4,5 بليون سنة)
و استمر الجدل حول وجود شيء مميز في حركتنا بما أننا غير قادرين على إيجاد شيء خاص و متميز يتعلق بوضعنا أو بعصرنا.
اعتقد نيوتن و علماء الفيزياء الكلاسيكيون كافة أن سرعة كوكب الأرض في الفضاء تشكل (إطارا مرجعيا متميّزا) و لكن ألبرت آينشتاين كان يرى ضرورة بقاء قوانين الطبيعة واحدة بصرف النظر عن سرعة المراقب أو إطاره المرجعي و اعتبر تلك الفيزياء (المطلقة) بقايا شوفينيّة أرضية تزداد ضعفا و طور نظريته النسبية الخاصة انطلاقا من ذلك.
أوضحت الملاحظات المتأنية أن النسبية الخاصة تعد وصفا دقيقا لكيفية صنع العالم
و بما أن ذلك يحدث فقط في السرعات العالية فإن حدسنا العادي يمكن أن يخطئ و تفضيلاتنا لا توضع في الحسبان و أننا لا نعيش في إطار مرجعي متميّز .
و استمر الجدال الديني قائما حول : إذا كان موقعنا و عصرنا و حركتنا و عالمنا لا تتسم جميعها بالتفرد , فنحن المتفردون لأننا خلقنا بشكل خاص مختلف عن الحيوانات الأخرى فالتفاني الخاص للخالق يبدو واضحا فينا.
(( الإنسان بغطرسته يعتبر نفسه عملا عظيما يستحق تفسير من إله )) هكذا كتب تشارلز داروين في مفكرته و كتب أيضا ((من التواضع , كما أعتقد , و الأصدق , أن نعتبره منحدرا من الحيوان )) و في منتصف القرن التاسع عشر أوضح كيف يمكن أن يتطور أحد الأنواع إلى نوع آخر من خلال عمليات طبيعية بالكامل.
و استمر الجدل . . إذا كنا نرتبط بشكل وثيق ببعض الحيوانات الأخرى فإننا نختلف , ليس فقط من حيث الدرجة و إنما من حيث النوعية, بشأن أمور مثل : العقل و الوعي الذاتي و صنع الأدوات و الأخلاقيات و حب الغير و الدين و اللغة و نبل الشخصية و يمتلك البشر سمات تميّزهم عن بعضهم البعض . لكن هذا الموقف فيه مبالغة مفرطة في تفرّد الإنسان فالشمبانزي يفكر و يمتلك وعيا ذاتيّا و يصنع الأدوات و يبدو علامات التفاني و الإخلاص و غير ذلك .الإنسان و الشمبانزي يشتركان في 99,6% من الجينات الفعّالة .
إننا نميل لإضفاء السمات البشرية على الأشياء من حولنا , فسماء تحمل (تهديدا) و بحر (هائج) و ماسة (تقاوم) الخدش و يبدو أن إحدى المستويات القديمة في تفكيرنا تضفي الحياة و العاطفة و الفكر المتروّي على الطبيعة غير الحية, و فكرة امتلاك الأرض لوعي ذاتي أخذت بالنمو مؤخرا على أطراف فرضية Gaia و هذا الإعتقاد كان مألوفا لدى قدامى اليونان و أوائل المسيحيين.
يبدو أن المواقف الروحانية لا تزال تنشر, فقد أوضح مسح أمريكي في 1945 أن 75% , من الاستطلاع الذي أجري , كانوا راغبين في التصريح بأن الشمس غير حيّة أما في عام 1989 , كانت النسبة 30% فقط لنفس الرأي السابق.
و استطلاع آخر عما إذا كان إطار عجلة السيارة قادرا على الشعور بأي شيء فقد أنكر 90% ذلك (1945) و 73% فقط أنكروا ذلك أيضا في (1989) .
يجب أن نقر , في بعض الأحيان , شئنا أم أبينا , أننا على نحو مميّز نسقط سماتنا المميزة الخاصة على الطبيعة و ذلك يؤدي إلى رؤية مشوّهة دوما للعالم.
فليكن,نحن لسنا عظماء و نرتبط بصورة مزرية بالقردة , و لكننا أفضل الموجودين, فنحن في النهاية المخلوقات الذكية الوحيدة في الكون, ....,هكذا كان الجدال التالي.
قال الفيلسوف اليوناني القديم كريسبس : "إن أي إنسان موجود يعتقد في عدم وجود شيء في العالم بكامله أسمى منه , إنما يعد حالة مختلة من العجرفة" و حقيقة أننا لم نجد حياة خارج الأرض حتى الآن لن تمنعني من التخمين أن الكون مملوء بكائنات أذكى و أكثر تقدّما من الإنسان و مازلنا في مراحل البحث المبكرة و القضية مفتوحة على مصراعيها و هذا القول مبني على حجة جديرة بالتصديق , مستقاة من عدة كواكب و هي وجود المادة العضوية في كل مكان , و من المقياس الزمني الضخم المتاح أمام تطور الحياة.
في كل عام , يرتطم مدّ التقدم العلمي بشاطئ أبعد قليلا عن جزيرة التفرد الفكري للبشر , فهذه أجهزة كومبيوتر تقوم بسهولة بإجراء حسابات و عمليات رياضية لا يمكن لأي بشر أن يقوم بها دون معونة من نوع ما , كما تتفوق على أساتذتها في الشطرنج و تفهم و تتحدث الإنكليزية و غيرها و تكتب قصصا للقراءة و تتعلم من أخطائها
يتبع .... :-x
لادينى بالفطرة:
تحياتى طيبة .. 8-)
هنا فى هذه الجزئية من الكتاب يمسك كارل ساجان بالعصب العارى للإنسان .
ترضى هذه الجزئية قناعاتى الفكرية التى قادتنى إلى اللادينية والإلحاد ..كما ترضى فهم وفكر الزميلين sidrjal ..fcb
الاستنزالات الكبيرة للمكانة >>>>>>>>>>> تتمة
إن البحث عن وضع مميز للبشر لن يتم التخلي عنه إطلاقا و يطلق عليه في الفيزياء و علم الفلك المبدأ البشري (Anthropic principle) و يسمى أيضا بمركزية الإنسان في الكون (Anthropocentrism) و يقول هذا المبدأ الضعيف : إن كانت قوانين الطبيعة و الثوابت الفيزيائية مختلفة فلن نتمكن من معرفة أصل البشر,
و في ظل قوانين و ثوابت أخرى , لم تكن الذرات لتتماسك و لتطوّرت حياة على الكواكب القريبة و لما كانت العناصر الكيميائية التي تتشكل منها الحياة لتولد على الإطلاق . .. . . و هكذا , فمع قوانين مختلفة . . . لن يوجد إنسان.
هذا حول المبدأ البشري الضعيف : قم بتغيير قوانين الطبيعة و ثوابتها فيظهر كون جديد مختلف تماما لن ينسجم مع الحياة و هذا كلام لا أساس له من الصحة فمن المعروف أن كوننا الحالي متعارض تقريبا مع الحياة أو مع ما ندركه كضروري لها فإن 10_ 37 من حجم الكون يمكن أن تزدهر به الحياة و الباقي بارد و يلفه فراغ أسود و ملوث بالنشاط الإشعاعي.
بالمقابل , المبادئ البشرية (القوية) تستنتج أن قوانين الطبيعة و قيم الثوابت الفيزيائية تأسست بحيث يأتي البشر إلى الوجود و لا تسأل كيف تم ذلك , و تقول إن جميع الأكوان الأخرى المحتملة هي غير قابلة للحياة. و يبدو الأمر كأن أربح أول رمية في لعبة و أنا أعرف أن هناك 54 بليون بليون بليون (2810*5,4) رمية أخرى محتملة كان يمكن أن أقوم بها . . . ثم أستنتج بكل بلاهة أن إله الحظ يفضّلني.
نحن لا نعرف كم عدد الأكوان الأخرى , أو قوانين الطبيعة و الثوابت الفيزيائية التي يمكن أن تقود إلى وجود حياة و كائنات ذكية.
تصوّر أندريه ليندي , الذي عمل سابقا في معهد ليبيديف للفيزياء في موسكو و الآن يعمل في جامعة ستانفورد , وجود كون أضخم بكثير من كوننا ربما يمتد إلى اللانهاية سواء في الزمان أو في المكان.
في ذلك الكون يوجد نوع من زغب الكم (الكوانتم) حيث الهياكل الدقيقة الأصغر من الإلكترون تتشكل في كل مكان و يعاد تشكيلها و تتشتت , و منها تخلق ترددات الفضاء الفارغ تماما أزواجا من الجزيئات الأوّلية , إلكيترون و بوزيترون .
و في زغاوي فقاعات الكوانتم تتضخم شظية دقيقة لتنمو و تنجز أكوانا جديرة بالإحترام و هي أكوان بعيدة جدا عنّا ( أبعد من ال15 بليون سنة ضوئيّة المقياس التقليدي لكوننا) و إذا كانت هذه الأكوان موجودة فلا سبيل للنفاذ إليها و هي تصل إلى الحد الأقصى من حجمها ثم تنهار و تنكمش إلى مجرد نقطة ثم تختفي للأبد و منها ما يمكن أن تتذبذب و منها ما يمكن أن ينمو دون حدود , و في مختلف هذه الأكوان سيكون هناك قوانين مختلفة للطبيعة.
و كما يطرح ليندي , إننا نعيش في كون ظروفه الطبيعيّة ملائمة للنمو و التضخّم و التمدد و المجرات و النجوم و العوالم و الحياة , و نتصور أنه متفرّد و لكنه واحد من عدد ضخم و ربما لا نهائي من الأكوان الثابتة و المستقلة و المنعزلة بتساوي و لسوف توجد الحياة في بعضها و لا توجد في بعضها الآخر.
وهكذا يصبح كوننا ليس سوى موضع خلفي منعزل حيث التشكل لكون أضخم و أقدم لا نعرف له بداية و لا يمكن ملاحظته على الإطلاق و إذا ما صح ذلك فإننا سنحرم من بقايا كبريائنا البالية بشأن عيشنا في كون أو عالم وحيد و سنجد عمليات تمدن مدمرة أخرى ما تزال في انتظارنا.
إن غالبية النقاشات قد استقرّت الآن على نحو حاسم لمصلحة موقف , مهما كان مؤلما , يمكن تلخيصه في جملة واحدة , ليست لنا القيادة في الدراما الكونية و لدينا أسباب جيدة لكي نتحلّى بالتواضع.
الإثنين يونيو 14, 2010 11:13 am من طرف هادى الانصارى