قلب من دهب عضو مرشح للإشراف
عدد المساهمات : 318 تاريخ التسجيل : 26/11/2009 نقاط : 6114
| | مقارنة بين الساعة5و7 | |
اصدقائى يوجد مشهد لا أمَلّ من التأمل فيه، ولا أمل من حكايته لأصحابي وإخواني، هو ليس مشهداً طريفاً، بل والله إنه يصيبني بالذعر حين أتذكره، جوهر هذا المشهد بكل اختصار "المقارنة بين الساعتين الخامسة والسابعة صباحاً".. في مدينتي التي أعيش فيها، أقارن تفاوت الحالة الشعبية بين هاتين اللحظتين اللتين لايفصل بينهما إلا حوالى مائة دقيقة تقريباً... في الساعة الخامسة صباحاً وقت صلاة الفجر تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر، إما تسبِّح وإما تسْتاك في طريقها ريثما يحين وقت الأذان.. بينما أمم من المسلمين أضعاف مضاعفة من هؤلاء لا يزالون في فراشهم، بل وفي بعض البيوت تجد الأم والأب يصليان ويدَعَان فتيان المنزل وفتياته في سباتهم. حسناً.. انتهينا الآن من مشهد الساعة الخامسة.. ضعها في ذهنك ولننتقل لمشهد الساعة السابعة.. ما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والعمل.. إلا وتتحول المدينة وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار.. حركة مارة، وطرقات تتدافع، ومتاجر يرتطم الناس فيها داخلين خارجين يستدركون حاجيات فاتتهم من البارحة.. ومقاهي تغص بطابور المنتظرين يريدون قهوة الصباح قبل العمل.. أعرف كثيراً من الآباء والأمهات يودون لو أن أولادهم قد أدّوا صلاة الفجر في وقتها.. (يودون فقط)، بمعنى لو لم يؤدها أبناؤهم فلن يتغير شيء، لكن لو تأخر الابن دقائق فقط، (نعم أنا صادق) دقائق فقط عن موعد الذهاب لمدرسته فإن شوطاً من التوتر والانفعال يصيب رأس والديه.. وربما وجدت أنفاسهم الثائرة وهم واقفون عند فراشه يصرخون فيه بكل ما أوتوا من الألفاظ المؤثرة لينهض لمدرسته.
هل هناك عيب أن يهتم الناس بأرزاقهم؟ هل هناك عيب بأن يهتم الناس بحصول أبنائهم على شهادات يتوظفون على أساسها؟ لا طبعاً، بل هذا شيء محمود، ومن العيب أن يبقى الإنسان عالة على غيره.. لكن هل يمكن أن يكون العمل والشهادات أعظم في قلب الإنسان من الصلاة؟ لاحظ معي أرجوك.. أنا لا أتكلم الآن عن صلاة الجماعة الواجبة، لا.. أنا أتكلم عن مسألة لا خلاف فيها عند أمة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) طوال أكثر من أربعة عشر قرناً، لايوجد عالم واحد من علماء المسلمين يجيز إخراج الصلاة عن وقتها، بل كل علماء المسلمين يعدون إخراج الصلاة عن وقتها من الكبائر.. والوالدين اللذيْن يلقيان كلمة عابرة على ولدهم وقت صلاة الفجر "فلان قم صل.. الله يهديك" ويمضون لحال شأنهم، لكن حين يأتي وقت المدرسة والدوام تتحول العبارات إلى غضب عنيف وقلق منفعل لو حصل وتأخر عن مدرسته وعمله، بل هل تعلم يا قارئي الكريم أن أحد الموظفين -وهو طبيب ومثقف- قال لي مرة: إنه منذ أكثر من عشر سنوات لم يصل الفجر إلا مع وقت العمل. يقولها بكل استرخاء، وقال لي مرة أحد الأقارب إنهم في استراحتهم التي يجتمعون فيها، وفيها مجموعة من الأصدقاء من الموظفين من الطبقة المتعلمة، قال لي: إننا قمنا مرة بمكاشفة من فينا الذي يصلي الفجر في وقته؟ فلم نجد بيننا إلا واحداً من الأصدقاء.. قال لهم: إن زوجته كانت تقف وارءه بالمرصاد (هل تصدق أنني لا زلت أدعو لزوجته تلك)، يا الله هل صارت المدرسة أعظم في قلوبنا من عمود الإسلام؟ هل صار وقت العمل–الذي سيؤثر على نظرة رئيسنا لنا- أعظم في نفوسنا من ركن يترتب عليه الخروج من الإسلام؟ هذه المقارنة الأليمة بين الساعة الخامسة والسابعة صباحاً هي أكثر صورة محرجة تكشف لنا كيف صارت الدنيا في نفوسنا أعظم من ديننا. أتذكر قوله تعالى في سورة التوبة: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُم وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بأمْرِه.. ماذا بقي من شأن الدنيا لم تشمله هذه الآية العظيمة؟! ألم تصبح الأموال التي نقترفها والتجارة التي نخشى كسادها أعظمَ في نفوسنا من الله ورسوله والدار الآخرة؟ كيف لم يعد يشوِّقنا وعدُ ربنا جلّ وعلا في سورة النحل إذ يقول لنا: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ.
انا أتحدث الآن عن رأس شعائر الإسلام .... أكبر كبائرها .... ووضعت بنفس مرتبة الشرك بالله!!! إنها الصلاة.. التي قُبضَتْ روح رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو يوصي بها أمته ويكرر "الصلاة.. الصلاة.." وكان ذلك آخر كلام رسول الله كما يقول الصحابي راوي الحديث ........ قال الله تعالى..... "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى" سورة الأعلى..... وفي قوله تعالى: فويْلٌ للمُصلّبن * الذين همْ عن صلاتِهم ساهُون.. بل تأمل في العقوبة التي ذكرها فقهاء المسلمين لمن أخرج الصلاة عن وقتها، حيث سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار لأشغال لهم من زرع أو حرث أو خدمة أستاذ ، أو غير ذلك، فهل يجوز لهم ذلك؟ فأجاب: لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال، لا لحصد، ولا لحرث، ولا لصناعة، ، ولا لخدمة أستاذ، ولا غير ذلك؛ ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته.
هل لا زال هناك من يقول: أن "مشكلتنا هي أننا عظمنا الدين وأهملنا دنيا المسلمين" بل هل قائل هذا الكلام جاد؟! وأي دين بعد عمود الإسلام؟! حين تجد شخصاً من المنتسبين للتيارات الفكرية الحديثة يقول لك: مشكلة المسلمين في دنياهم لا في دينهم. فقل له فقط: قارن بين الساعة الخامسة والسابعة صباحاً وستعرف الحقيقة. كيف صارت الدنيا أعظم في نفوسنا من الله جل جلاله اللهم انى بلغت اللهم فاشهد
| |
|
الجمعة أبريل 02, 2010 6:19 pm من طرف حسن البنا