شلوموساند هو استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب وله عدد من المؤلفات.ولكن مؤلفه الأخير”متي وأيخ هومصي هاعام هايهودي”(متى وكيف أختلق الشعب اليهودي؟) الذي أصدره في هذه السنة قد أصبح اشهرمؤلفاته واكثرها مبيعا.وفي كتابه هذا يناقش المؤلف من جملة مايناقش قضيتين اساسيتين لاتقبلان الجدل والنقاش عند اليهود.وهما قضية أن كل اليهود يرجعون إلى أصل واحد مع غض النظر عن الإختلافات في اللون والشكل وغيرهما. وقضية الشتات حيث يرفض الرأي السائد عند اليهود أنهم قد شتتوا على أيدي الرومان من أرضهم. ويقول إن اليهود بقوا في أرضهم وإن الشتات لم يحصل ونتيجة لهذا أن فكرة الرجوع إلى الوطن التي تتبناها الحركة الصهيونية هي فكرة كاذبة ولا أساس لها تاريخيا. والمؤلف يرفض الرأي الذي يقول أن اليهود ينحدرون من أصل واحد ويستدل بشكل مفصل على أنهم خليط من جماعات ذات أصول مختلفة تحولت إلى اليهودية في فترات مختلفة من التاريخ كما سنذكر . وهو يقول إن وصف اليهود بأنهم مترحلون ومنعزلون ووصلوا إلى أطراف الأرض ثم بعد ظهور الصهيونية رجعوا إلى وطنهم الوحيد جماعات جماعات هو ميثولوجيا قومية.إذ أن اليهود قد قاموا بمثل ماقامت به بقية الحركات القومية الأوربية التي صنعت لها عصرا ذهبيا وصنعت تاريخا بطوليا لنفسها لتثبت أن شعوبها كانت موجودة منذ بدء التاريخ فكذلك اليهود صنعوا لهم تاريخا قوميا يرجع إلى دولة داوود الأسطورية.
وهو يقول أنه خلال القرن التاسع عشر تأثر المثقفون اليهود بالفكرة القومية الألمانية وأخذوا على عاتقهم مهمة اختلاق شعب يهودي حديث ثم أخذوا يجعلون من اليهود شعبا له تاريخ ومملكة قديمة حيث تشتتوا منها بعد ذلك. ويقول أيضا إنه إلى ماقبل قرن أو أكثر قليلا كان اليهود يعتقدون أن الذي يجمعهم هو الدين وحده. ولكن في بداية القرن العشرين جاءت الصهيونية بشيء آخر وبدأ الصهاينة يخترعون تاريخا قوميا لليهود وأن اليهود موجودون كشعب. كما أن الفكرة الصهيونية الحديثة للرجوع من الشتات إلى الأرض الموعودة هي فكرة غريبة على اليهودية تماما.فالأماكن المقدسة كان ينظرإليها اليهود سابقا على أنها أماكن يتطلعون إليها وليس للعيش فيها على الرغم من أن النفي لم يحدث إلا أن فكرته بقيت ملازمة ليهودية اليهودي ولايمكن تشخيص يهوديته إلا بذلك .ويقول “عندما بدأت ابحث في الكتب عن طبيعة هذا النفي فوجئت بعدم عثوري على أي ذكر له ولا مرة واحدة في المصادرالأصلية والسبب في ذلك هو إن اليهود لم يطردوا من قبل الرومان لأن الرومان لم يكن من سياستهم طرد الشعوب”.وفي الحقيقة كما يقول شلومو إن اليهود بصورة عامة كانوا فلاحين يزرعون الأرض وكل الأدلة تشير إلى أنهم بقوا حيث كانوا وما حديث النفي إلا حديث خرافة إذ أن فكرة النفي اخترعها المسيحيون حيث أرادوا للأجيال اللاحقة من اليهود في أن يعتقدوا بأن شتاتهم هو عقاب من الرب لهم على رفضهم لعيسى.وفكرة الشتات إنما احتاج إليها مخترعوها من أجل أن يكون هناك ربط واستمرارية ب”شعب التوراة” الذين سبقهم إذ بدون فكرة الشتات لايمكن للصهيونية أن تتبنى فكرة الرجوع إلى “الوطن”.
.وهو كذلك يطرح سؤالا وهو إذا كان أغلب اليهود لم يغادروا فلسطين أبدا إذاً ماالذي حدث لهم.وهو يجيب على ذلك بالقول”إنه لم يبق شعب من الشعوب خالصا وإن احتمال أن يكون الفلسطينيون منحدرين من مملكة يهودا القديمة-ثم تحولوا إلى الإسلام- هو أكبر من احتمال أن أكون أنا أوالآخرون (من الإسرائيليين) من احفاد سكانها”.”وإن زعماء الصهيونية الأوائل حتى ثورة العرب عام 1936-1939 مثل بن غوريون وبن زفي كانوا يعرفون أنه لم يكن هناك نفي وأن الفلسطينيين هم أحفاد سكان يهوداوقد كتب اسحق بن زفي الرئيس الثاني لإسرائيل عام 1929 “إن أكثر الفلاحين (في فلسطين) لم يأتوا مع الفاتحين العرب بل ترجع أصولهم إلى الفلاحين اليهود القدماء”.
أما عن تفسير وجود الكثير من اليهود في أقطار العالم فهو يعود كما يقول المؤلف إلى عملية التهويد التي قام بها اليهود في القرون التي سبقت ظهور المسيحية مباشرة كانت اليهودية تقوم بالتبشير بشكل نشط حيث كانت تبحث عن متهودين خلافا للمعتقد السائد.وهذه الحقيقة ذكرتها الأدبيات الرومانية.وكان أول من قام بذلك هم اليهود الحشمونيون”
(ومعروف أن الحشمونيين كانوا قد أجبروا أعدادا كبيرة من الأدوميين-الأنباط على اعتناق اليهودية في القرن الثاني قبل الميلاد وكان من هؤلاء هيرود الكبير حاكم يهودا في فلسطين في القرن الأول قبل الميلاد).ثم يقول “ثم رحل اليهود إلى أماكن مثل اليمن وإلى قبائل البربرالوثنيين في شمال أفريقيا يبحثون عمن يهودونهم.وكان بعض المتهودين من شمال أفريقيا قد انضم إلى جيش طارق بن زياد.وأن جذور يهود أسبانيا ترجع إلى البربر المتهودين الذين كانوا مع هذا الجيش”.
ثم بعد ذلك تحول سكان مملكة الخزر بشكل جماعي حيث أصبحوا أجداد اليهود الأشكنازيم في أوربا الوسطى والشرقية وقد أكد هذا بعض المؤرخين اليهود ولولا هذا التهويد لبقي اليهود مجموعة مهمشة بل ربما لايكون هناك يهود وهذا في رأيه ينفي فكرة الأصل الواحد. وإن الإسرائيليين ينكرون هذه الحقيقة ولا يريدون أن يعترفوا بها لأن ذلك يقوض ادعاء الحق التاريخي بالأرض”.ويرى بإن صمت زملائه في الجامعة عن هذا الموضوع وعدم مناقشته معه هو اعتراف بأن بنية التاريخ الإسرائيلي الذي يدرس في الجامعات الإسرائيلية هي بنية من ورق. ويرى بأن تدريس التاريخ اليهودي في الجامعات الإسرائيلية لايدرس بشكل صحيح والمشكلة في ذلك ترجع إلى ثلاثينات القرن الماضي عندما قسم تدريس التاريخ إلى قسمين: التاريخ العام والتاريخ اليهودي وافترض ان التاريخ اليهودي يجب أن يدرس مستقلا لأن التجربة اليهودية اعتبرت فريدة.وبسبب ذلك أصبح تدريس التاريخ اليهودي محافظا ومنغلقا على نفسه بعيدا عن التأثر بالدراسات الحديثة في البحوث التاريخية.
وهو يقول أنا لا أخشى من أن اكون من الخزر ولا أخشى من تقويض وجودنا ولكن الذي يقوض وجودنا أكثر هو طبيعة دولة إسرائيل التي يجب أن تصبح دولة مفتوحة متعددة الثقافات وتكون دولة لكل سكانها.
إننا يجب أن نعمل بجد لتحويل بلدنا هذا إلى جمهورية إسرائيلية حيث العرق والدين ليس لهما دور في نظر القانون.وإن كل من له علم بشباب المجتمع العربي في إسرائيل يعرف أنهم لايتقبلون العيش في بلد يعلن أنه ليس بلدهم.وإذا كنت فلسطينيا فإنني سأثور على ذلك بل حتى مع كوني إسرائيليا(يهوديا) فإنني أيضا سأثور عليه.
ولأن كتاب شلومو يشكك بقضايا يعتبرها اليهود أساسية غير قابلة للنقاش كما ذكرنا فإنه واجه ومازال يواجه نقداً شديدا وتشكيكاً بمصداقية بحثه بل ويتهم بشتى الإتهامات.ولكنه يقول إنه كمؤرخ من واجبه أن يكتب التاريخ ويفحص نصوصه”وهذا ماقمت به”.
قدّم باحثون فِلسطينيون (وأجانب) منذ ُ بدايَة الـْقرن الـْعشرين قراءات مثلَ هذِهِ، لكنْ الأكاديمية الـْغربيّة اعتبرتـْها غيرَ علميّة. والـْكتاب لا يأتي على ذِكرِ أيّ منـْهم، وكأنّ هوَ الأصل والـْفصل في الـْموضوع. جهاز الثــّـقافة الإسرائيليّة وخـــاصّة الـْمجال الأكاديمي، هوَ جهاز يَهْضُمُ كل شيء. يمكنهُ أنْ يَهْضُمَ الـْملابس والـْمأكولات والـْفنّ التـّشكيلي والـْكتابة النـّـقديّة الـْفِلسطينيّة(وهذا ما يقوم به زاند) وحتـّى روايَة النـّكبَة، وإعادة إنتاجـِها لصــالح مشروع الاستعمار الصّهيوني. لمنشورات الأكاديمية الإسرائيليّة بموضوع النـّكبَة، دَوْر مهمّ في عرضِها وتمثيلِها على الـْمسرح الدّولي كمؤسَّسة نقديّة للرّواية السّـُلطـَوِيّة عن النـّكبَة، وكمؤسَّسة تقدّميّة أيضًا. حينَ تكون الـْمصدر الأساسي، ربما الأهمّ لانتاج الـْفكر الأوروبي الـْكولونيالي الـْعنصري الأبيض.