[center]قارئ شاب يشعر بالحيرة لأنه حين يطرح أفكاره بين أصدقائه يتهمونه بالعلمانية رغم أنه يحاول جاهدا الالتزام بتعاليم الدين الحنيف، وهو يناشد العبد الفقير إلى الله أن يدله على تعريف واضح للعلمانية كي يتجنبها دون أن يدرك بأن حيرتي إزاء هذا المصطلح الغريب لا تقل عن حيرته، ولكنني سوف أحاول تسهيل الأمر عليه فأقول إن ثمة تعريفين للعلمانية الأول هو تعريف عالمي ملخصه أن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة، أما التعريف الثاني فقد تم تصميمه محليا لمواجهة أية محاولة لفصل الدين عن العادات والتقاليد!.
على سبيل المثال لو طالب شخص ما بالسماح للمرأة بقيادة السيارة وأشار إلى أن وجودها مع السائق الأجنبي ينطوي على شبهة خلوة غير شرعية فإنه سوف يتهم بالعلمانية، لأنه حاول الفصل بين الدين والعادات والتقاليد فإذا كان هذا الشخص يقبل أن تقود امرأته السيارة فإن الكثيرين من أهل الغيرة والحمية لن يقبلوا هذه الدعوة المنحلة وهم لا يكتفون بخيار السائق الآسيوي ــ الذي لا يعتبرونه رجلا ــ بل يريدون من كافة أفراد المجتمع الالتزام بهذا الخيار، لأن العادات والتقاليد يجب أن تسري على الجميع دون استثناء.
ولو طالب شخص آخر بأن تكون الإجازة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت تقليلا للخسائر الاقتصادية الناجمة عن بقائنا أربعة أيام متواصلة خارج نطاق حركة الأسواق العالمية لاتهم أيضا بالعلمانية، لأن العادات والتقاليد حددت يوم الخميس يوما مفضلا للولائم والأفراح والاجتماعات العائلية، كما أن يوم السبت هو إجازة اليهود وهذا لا يعني أنه علماني فقط بل هو أيضا صهيوني ومؤيد للتطبيع مع إسرائيل!.
ولو تحدث ثالث عن ضرورة تعليم الإنجليزية منذ الصف الأول ابتدائي فهو في حديثه هذا يثبت أنه علماني تغريبي وربما يتقاضى أموالا من السفارات الأجنبية، وستطال هذه التهمة أيضا أي شخص يقول: إن من حق الشباب ارتداء الملابس الإفرنجية وقص شعورهم بالطريقة التي تعجبهم لأن في ذلك تهديد للثوب والغترة والعقال التي تعد العنوان الأبرز لهويتنا وعاداتنا وتقاليدنا!.
لهذا الشاب الحائر أقول: افعل مثل غيرك يا ابن أخي، استمع لمحمد عبده وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد ولكن عليك الحذر من الاعتراف بالموسيقى كفن جميل، وشاهد أحدث الأفلام الأمريكية في التلفزيون واحذر من الحديث عن السينما السعودية، واشتر ما تريده من امرأة تفرش بضاعتها على الرصيف ولكن عليك أن ترفض بشدة فكرة السماح للمرأة بالبيع في محلات المستلزمات النسائية، وهكذا لن تكون علمانيا.. لأنك لم تفصل بين الدين والعادات والتقاليد!.