الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
واجبات من لم يحج
إهداء إلى مَن اشتاقت قلوبهم لخطواتٍ على أرض النبوة ولم يستطيعوا.. نذكرهم وإن لم يحجوا بواجبات مَن لم يحج.
اسمع ما قاله- صلى الله عليه وسلم- عن أيام الحج، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، فقالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (أخرجه الترمذي).
وهذه الأيام العشر الأول من ذي الحجة والتي تنتهي باليوم العاشر حيث عيد الأضحى تتم فيها معظم مناسك الحج.. فإذا عرفت واجباتك فيها وأديتها، فقد شاركت الحجيج فوزهم بهذه الأيام العشر.
فيوم عرفة من الأيام الفاضلة، تُجاب فيه الدعوات، وتُقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران.
فضائل يوم عرفة
(1) أنه يوم إكمال الدين واتمام النعمة: ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤنها لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3)، قال: عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
(2) أنه يوم عيد لأهل الموقف: قال صلى الله عليه وسلم:"يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" (أخرجه أهل السنن).
(3) أن صيامه يكفر سنتين: فقد ورد عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة" (أخرجه مسلم).
وهذا إنما يُستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يُسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه، ورُوِي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
(4) أنه يوم مغفرة والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي آتوني شعثًا غبرًا" (أخرجه أحمد).
أنواع العمل في هذه العشر
الأول: صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها، وبالأخص يوم عرفة، عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عرفة، احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده".
الثاني: التكبير والذكر في هذه الأيام لقوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: من الآية 185).
الثالث: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات، كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الرابع: على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد، وعليه معرفة أن هذا العيد يوم شكر وعمل بر وشكر وعمل فلا يجعله موسم معصية والتوسع في المحرمات كالمسكرات ونحوها، مما يكون سببًا لإحباط الأعمال الصالحة التي عملها في الأيام العشر.
الخامس: ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، وبذل المال في سبيل الله تعالى، وليحرص كلٌ منا على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء، وليقدم لنفسه عملاً صالحًا يجد ثوابه أحوج ما يكون إليه فإن الثواب قليل والرحيل قليل والطريق مخيف والاغترار غالب والخطر عظيم والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمآب، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه (
﴾ (الزلزلة: 8-9).
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض ولا تقدر بقيمة، المبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، وقبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة فلا يُجاب إلى ما سأل.
الأضحية
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأضحية سنة مؤكدة، وذهب بعضهم إلى أنها واجبة على الموسر، لقوله صلى الله عليه وسلم، "من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربن مصلانا" (أخرجه أحمد وابن ماجة).
وقت الأضحية
ذبح الأضاحي
يدخل وقت الأضحية بعد الصلاة مع الإمام في يوم العيد، لحديث البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء" أخرجه البخاري، ويمتد وقت التضحية إلى ما قبل غروب آخر أيام التشريق.
ما يستحب للمضحي
1- يستحب لمن أراد التضحية- من أول ليلة من ليالي ذي الحجة وحتى يضحي- ألا يأخذ شيئًا من شعره أو ظفره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي" (أخرجه مسلم).
2- يستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده رجلاً كان أو امرأة: ويستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- ضحَّى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده الشريفة، وهذا الاستحباب يسري على المرأة إذا أرادت أن تضحي كما يسري على الرجل.
3- التسمية عند الذبح: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذبح أضحيته قال: "بسم الله والله أكبر".
4- يُستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويُبقي منها له بحدود ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أبقى لنفسه أكثر من ثلثها جاز، وقال الحنفية: ما كثر التصدق به من لحم الأضحية فهو أفضل.
هل يُعطى الجزار بدلاً عن أجرته شيئًا من الأضحية؟
قال الحنابلة: لا يعطي الجزار شيئًا من الأضحية بدلاً عن أجرته في ذبح الأضحية، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، ولكن إن دفع إلى الجزار شيئًا من الأضحية لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس، لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره بل هو أولى، لأنه باشر ذبحها وتاقت نفسه إليها.
السبت نوفمبر 06, 2010 12:30 pm من طرف super cat