السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أبرز الأخلاق التي عني بها القرآن الكريم وحث عليها “الصبر”، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم أكثر من غيره من الأخلاق الإسلامية.
وقد ذكر الصبر في القرآن على ستة عشر نوعا، منها الأمر به مثل قوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا”، ومنها النهي عن ضده كقوله تعالى: “فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم”، ومنها الثناء على أهله مثل “الصابرين والصادقين والقانتين”.
_ درجات الصبر .
والصبر في القرآن ثلاث درجات: الأولى: الصبر عن المعصية بتركها، الثانية: الصبر على أداء الطاعات بالمحافظة على أدائها كاملة غير منقوصة، الثالثة: الصبر على البلاء بعدم السخط والجزع، مع الرضا بقدر الله عز وجل.
وثمرات الصبر كما يقول الدكتور الحسيني أبو فرحة لا تحصى عددا، وقد ذكر القرآن الكريم طرفا منها، وذكرت السنة طرفا آخر، والسنة هي شارحة القرآن، وهى جزء من وحي السماء الذي أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه أوحي إليه معناها فقط، وعبر عن المعني الموحى به إليه بألفاظ من عنده.
فما نص عليه القرآن من ثمرات الصبر أنه يعين على أداء الطاعات، قال تعالى: “فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون”.
والذكر والشكر وعدم الكفر طاعات، ثم قال سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين”، فعقب الأمر بالذكر والشكر والنهي عن الكفر، أمر بالاستعانة بالصبر والصلاة.
_ تحمل البلاء .
والصبر كذلك يثمر تحمل البلاء الذي ينزل بالإنسان، فيزلزل بنيان غير الصابر، وقد يقضي عليه بالأمراض المختلفة من شلل وجنون، وقد يؤدي البلاء الذي ينزل بغير الصابر إلى الانتحار وكل ذلك شائع بين غير الصابرين.
أما المسلم الذي يصبر على البلاء، فهو في أمان من هذه البلايا، ثقة منه بالله وواسع رحمته، وعظيم مثوبته على ما نزل به من بلاء، وعظيم ما عند الله من خير للصابرين في دنياهم وأخراهم، يقول الله تعالى مشيرا إلى ذلك كله: “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”.
فقد جمعت هذه الآيات بين الخوف وهو متعدد الأشكال والألوان، فهو يتسع للخوف من الأعداء، والخوف من الأمراض، والخوف من المجهول، وغير ذلك وبين الجوع وخطره معروف، والكثير من الناس في زمننا هذا وفي غيره من الأزمان يموتون من الجوع، ويتعذب الكثيرون من الجوع إن لم ينته بهم إلى الموت، ونقص المال بالخسارة في التجارة والصناعة والآفات في الزراعة معروف، ونقص الأنفس بفقد الأحبة بالموت، وفقد بعض أعضاء الجسم وقواه بالمرض، كل ذلك واقع وشائع بين الناس.
ثم تذكر هذه الآيات أن علاج جميع الحالات السابقة التي تنزل بالإنسان فتزلزل بنيانه وقد تقضي عليه، هو الصبر، فمن صبر ظفر، والله سبحانه وتعالى يقول بعد ذكره ما يمتحن به عباده من ألوان البلاء: “وبشر الصابرين” بشارة يثمرها الصبر، والبشارة تقاس بالمبشر بها، وبشارة من الله الملك الحق المبين الذي لا تنفد خزائنه، دونها كل بشارة من مخلوق، ولو كان ملكا متوجا، هذا مع قوله سبحانه: “إن الله مع الصابرين”.
فمعية الله تذهب بالحزن من القلوب وتذهب بالخوف منها كذلك، وتملأ القلوب أمنا وأمانا واطمئنانا.
والصابر إذا نزلت به مصيبة عبر عن صبره الذي وقر في قلبه بقوله: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
ومع تلك العقيدة التي يمتلئ بها قلب المسلم الصابر بأن الكل خلق الله وأن كل مخلوق لابد راجع إلى مولاه، مع تلك العقيدة يمتلئ قلب المؤمن رضا عن قضاء الله وقدره، فلله ما أعطى وله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار.
ويذكر الله سبحانه في تلك الآيات أن الصابرين يفوزون بثلاث ثمرات: أولاها: أنهم عليهم صلوات من ربهم، أي غفران من الله لهم وثناء عليهم.
ثانيها: أنهم عليهم رحمة من ربهم، وهي ما يكون مع المصيبة من لطف الله بهم.
ثالثها: أنهم مهتدون إلى الحق والصواب فيما ينبغي عمله في أوقات الشدائد فلا يستحوذ الجزع على نفوسهم ولا يذهب البلاء بالأمل من قلوبهم.
ومن ثمرات الصبر محبة الله للصابرين، قال تعالى “وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين