زائر الليل
ويسئلونك عن الغياب, كلّه أذى و ضرر لا نفع فيه
أولئك الذين يرحلون آخذين معهم بذرة الحياة التي غرسوها يوماً في قلوبنا
فتتوقف دورة الحياة الطبيعية للقلب عن الإستمرار و يكف القلب عن ممارسة مهنة الحياة
فتراه هامداً ساكناً لا يُسمَع له صوت, كعصفورٍ صغيرٍ ممددٍ على الأرض في أحدى زوايا قفصه يلتقط آخر أنفاسه قبل أن يمنحوه حريته أخيراً.
هكذا أنت يا قلب, دائم السكون فلا تنتفض محاولاً اللحاق بركب الحياة من جديد إلا عندما يرد على مسامعك ذكر الغائبين.
ولكن سرعان ما تعود إلى سكونك مرة أخرى بمجرد أن تعلم أن ذِكرهم لم يكن سوى حديث عادي يفترى على ألسنة بعض العابرين ليذكوا به نار بعض الصابرين.
وإن القلب ليؤمن بالله و بقدره خيره و شره, و إن القلب ليعلم أن الحياة لا يوقفها موت عزيز ولا غياب صديق, إلا أنها طينة الوفاء التي جبلت عليها نفوسنا, تلك الطينة اللعينة الممزوجة جيداَ في ثنايا الروح يبدوا أنها لن تتحلحل إلا و قد فتكت بك إيها القلب.
و يسألونك عن الصبر, قل سأتلو عليكم من بعض أوجاعه وِردا
إنه حارس الليل النشيط الذي الا يعرف إجازة مرضية ولا عرضية
إنه الموظف الوحيد الذي لا يتقاضى راتباً ومع ذلك فإنه لا يغيب يرتاح ينام يتركنا ننام
إنه المنادي ينادي من مكان قريب أو بعيد, لا يهمه
حيثما كان ينادي, كيفما كان ينادي:
أيا غربة الروح إنهضي! تباً لعين مشتاقة غافلت السهد و نامت !
تبّاً لروح حالمة غافلت الحلم و نامت!
ألا قاتل الله زائر الليل لا يغيب يرتاح ينام يتركنا ننام.
إنه الأرض تنام فوق عقارب الساعة, و الفجر بأبى البزوغ من رحم الليل إلا بعملية قيصرية.
و الصبر أبواب مغلفة لا ينوء أحد بحمل مفاتحها, إذ لا مفاتيح لها أصلاً
إلى كل الغائبين الراحلين الناسين الفرحين, غيبوا كما تشاؤون
غيبوا كثيراَ أو قليلاً كلاهما سواء
فقليل غيابكم كثير و كثير غيابكم كثير
و البحر يبقى بحراً لا ينقصه قبضة أغترفت منه أو أعيدت فيه.
وحين تعودون للبحث عنّا في سجل الحاضرين سنكون نحن الغائبين.