*******بسم الله الرحمن الرحيم*******
* يسأل القارئ محمود خيري من القاهرة قائلاً: إلي أي مدي يجب علينا اتباع السيرة خاصة فيما يتعلق برسول الله صلي الله عليه وسلم كرجل دولة؟
** يجيب فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فيقول: النبي صلي الله عليه وسلم بشر معصوم من الخطأ جعله الله لنا أسوة حسنة وجعل في اتباعه الهداية والرشاد.
فما ورد عن سيرة النبي صلي الله عليه وسلم ونعني الصحيح منها هو نبراس للأمة لبيان ما يمكن أن تتبعه إذا كانت الظروف هي ذات الظروف التي أحاطت بالنبي صلي الله عليه وسلم.
أما إذا اختلفت الظروف فلا حرج في أن يبحث علماء المسلمين وأئمة هذه الأمة عما هو مناسب لهم شريطة ألا يخالف نصاً شرعياً من كتاب أو سنة أو مما أجمعت عليه الأمة وبالتالي فإننا نخلص إلي ان السيرة النبوية جزء من السنة التي هي دليل شرعي علي الأمة ان تسترشد بها في حياتها.
والنبي -صلي الله عليه وسلم- باعتباره رجل دولة وباعتباره قاضيا ما نطق به من حكم ملزم لنا وما اتخذه من اجراءات من الممكن ان نري غيرها حسب تطور الظروف ومثال ذلك انه في عهده -صلي الله عليه وسلم- لم يكن يعرف البصمات للتعرف علي الجاني وعلي الرغم من هذا فإننا نستخدمها للتعرف علي الجاني.
والإمام علي رضي الله عنه قال:"أنا أول من فرق بين الشهود" وهذا الأمر لم يتم في عهده.
ومحمد -صلي الله عليه وسلم -كرجل دولة كان يستخدم الشوري مع اصحابه بكيفيات مختلفة مثل سؤاله الأنصار مع المهاجرين يوم بدر وسؤاله للمسلمين يوم أحد ومع ذلك فللمسلمين أن يحددوا طرقا للشوري غير ذلك علي أن يتم من خلالها تحقيق الأهداف التي شرعت من أجلها الشوري بين المسلمين وعدم الخروج علي النصوص المقطوع بها والأحكام المجمع عليها.
والخطأ الذي يقع فيه البعض ان يضع السيرة موضع السنة ويستدل بأحداث السيرة النبوية علي الإلزام كما يستدل بالسنة والقرآن.. والسيرة ليست مرادفة للسنة فمن السيرة ما لا يدخل في التشريع ولا صلة له به ولهذا لم يدخل الأصوليون السيرة في تعريف السنة بل قالوا: السنة ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير ولم يجعلوا منها السيرة.
أما المحدثون فهم الذين أضافوا إلي القول والفعل والتقرير الوصف الخلقي والخلقي والسيرة لأنهم يجمعون كل ما يتعلق به مما يتعلق بالتشريع وما لا يتعلق به فيرون من حياته ما قبل البعثة من المولد والرضاع والنشأة والشباب والزواج.
ويروون أوصافه الخلقية والخلقية ويروون كل ما يتصل بحياته ووفاته وهناك ملاحظتان هامتان:
الأولي: أن في السيرة كثيراً من الوقائع والأحداث مروية بغير السند المتصل الصحيح فقد كانوا يتساهلون في رواية السيرة ما لا يتساهلون في رواية الأحاديث المتعلقة بالأحكام وأمور الحلال والحرام.
الثانية: ان السيرة تمثل الجانب العملي من حياة النبي أي تمثل قسم الفعل من السنة غالباً. والفعل لا يدل علي الوجوب والإلزام وحده إنما يدل علي الجواز فقط أما الوجوب فلابد له من دليل آخر.
صحيح أننا مطالبون بالاقتداء بسنة النبي صلي الله عليه وسلم عملاً بقوله تعالي: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً" ولكن الآية تدل علي استحباب التأسي والاقتداء به لا علي وجوبه علي ان اتخاذ الأسوة من سيرته إنما يكون في الأخلاق والقيم والمواقف العامة لا في المواقف التفصيلية. فليس من الضروري ان نقتدي به بالبدء بالدعوة سراً إذا كان الجهر ميسوراً ومأذوناً به.
وليس من الضروري ان نهاجر كما هاجر إذا لم يكن لدينا ضرورة للهجرة بأن كنا آمنين في أوطاننا متمكنين من تبليغ دعوتنا. ولهذا لم تعد الهجرة إلي المدينة فرضا علي كل مسلم بعد فتح مكة كما كانت من قبل ولهذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا"
أي لا هجرة إلي المدينة وان بقيت الهجرة من كل أرض لا يتمكن المسلم من إقامة دينه فيها. وليس من الضروري ان نطلب النصرة من اصحاب السلطة والقوة كما طلبها الرسول الكريم من بعض القبائل فاستجاب له الأوس والخزرج إذ لم يعد ذلك اسلوبا مجدياً في عصرنا.
وليس من الضروري ان نظل ثلاثة عشر عاماً نغرس العقيدة وندعو إليها لأننا اليوم نعيش بين مسلمين يؤمنون بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فليسوا محتاجين إلي ان نعلمهم العقيدة مثل هذه المدة.
وإذا اهتممنا اليوم بالعدالة الاجتماعية أو الشوري والحرية أو بالقدس والمسجد الأقصي أو بالجهاد ضد اعداد الأمة فليس ذلك مخالفة للهدي النبوي الذي لم يتم بهذه الأمور إلا في المدينة لأن الرسول كان في مكة في مجتمع جاهلي مشرك بالله مكذب برسالة محمد فكانت المعركة الأولي معه حول التوحيد والرسالة بخلاف مجتمعنا اليوم فقد آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وإن كان فيه ما فيه من المعصية والانحراف عن شرع الله.
والله أعلم