ما توصلت اليه، بعضه حقيقة بديهية فلا خلاف عليه، وبعضه أسئلة للدهشة – كأسئلة الأطفال المربكة للأهل - فلا اجابة لها..
من الحقائق أن الانسان وحده هو الذي يستخدم النار من دون كل خلق الله من الكائنات، فقد يشترك الانسان مع غيره من الكائنات في اقتسام الهواء، يأخذ كل كفايته منه دون قتال أو صراع، والحمد لله أن أصحاب فرض النفوذ والضرائب لم يجدوا حتى الآن وسيلة للسيطرة، ويشترك الانسان مع سائر المخلوقات في اقتسام الماء الذي بدأ الصراع عليه، وفي اقتسام الطعام الذي أحكم الاقتصاد والتجارة والسياسة عليه قبضة حديدية حد أنه ربط الخبز بالقرش. لحسن الحظ أن المخلوقات ومنها الانسان لا تحتمل حجب الهواء المحرر تماما الا أقل الدقائق، لنقل خمس دقائق (للغواصين) ويحتمل ربما حجب الماء خمسة أيام وقد يحتمل حجب الطعام خمسة شهور (للقادرين على الاضراب عن الطعام).. وقد يكون من حسن الحظ –أو فراغة العين– أن كل المخلوقات النباتية كالحصان والخراف لا تأكل اللحوم، وأن كل المخلوقات الحيوانية كالأسد والكلاب لا تأكل النبات، ووحده الانسان لا يترك ولا يذر، من أوراق النباتات الى ثمارها وسيقانها وجذورها تحت الأرض (كالجزر والبطاطا)، ولا يترك من اللحوم ما يدب فوق الأرض وفي السماء وفي جوف الماء.. تلك نعمة من الله عز وجل حتى يهيئ مخرجا للجائعين من سيطرة المتسلطين.. من العناصر الأربعة المعروفة منذ أن حددها أرسطو ثلاثة على المشاع بين كل المخلوقات: الهواء والماء، والتراب ينعم به الحيوان ولا يملأ عين الانسان، ويبقى العنصر الرابع، النار، للانسان وحده دون سواه.
في الكهوف القديمة التي تم اكتشافها وتبين أنها تعود الى ما قبل التاريخ، الى العصر الحجري القديم أو الجديد، حملت رسوم الجدران صورا مبهرة للحيوان لحظة الصيد، ووجدت بعض الأدوات الحجرية ورسوما لها ولم توجد صورة واحدة للنار.. هل لأن انسان الكهف كان طوال الوقت حبيس كهفه لا يخرج الا للصيد ويأكل صيده لحما نيا؟ وهل هذا ما أخر نضج الوعي لديه؟ فهو لم يعرف النار -والتكاثر- الا حين بدأ يعيش في جماعات صغيرة.
بعض الأفلام عن نشأة الحياة صورت لنا حروبا قاسية ورحلات تستمر سنوات لمندوبين ترسلهم احدى الجماعات البدائية، الى جماعة أخرى ذاع أن لديها جذوة صغيرة من النار، لجلب قطعة منها، وكان على البعثة أن تبقي النار التي تأخذها مشتعلة، فتحميها من عبث الرياح وتنقلها من قطعة حطب الى أخرى، لأنها ان انطفأت تكون النار قد فرت عائدة الى أهلها.
وبعض الحضارات القديمة -كاليونانية- رأت أن النار حكر على أربابهم، وعندما سرق برومثيوس النار من الأرباب -كعقيدتهم- وأهداها للبشر، صلبوه على صخرة وسلطوا عليه نسرا ينهش في كبده، وكلما اهترأ الكبد بدلوه بآخر، وبعض الحضارات -كالفرعونية والبابلية والآشورية- استخدمت النار، لم تترك لنا كتابة أو صورة لكننا نفهم ذلك من الأواني الفخارية المصنوعة من الطمي ثم تم حرقها، وحضارات أخرى أفزعها جبروت النار فقدمت لها القرابين وأقامت الطقوس..
انتهت مساحة الكتابة ولم أبدأ بعد الموضوع، فلا علاقة لكل هذا ب "ولاعة الرفيق" وكله جزء من البديهيات، وبقيت كل الأسئلة التي بلا اجابة عن كيف تأكل النار بلا أسنان، وكيف أن ما تأكله لا تضعه في جوف لها، ومن أين تأتي هادئة في شمعة أو بشعة في انفجار، وأين تختفي حين تخمد.. أسئلة طفولية كثيرة قد أعود اليها، أو أواصلها، ان أحسست أن القارئ الكريم لديه بعضا من فضولي.