إستوقفني اليوم وأنا اقرأ في جريدة الأقتصادية هذا المقال المقتضب عن شخصية أدبية عظيمة، وما استوقفني هو ذلك المتقتطف من كلامه والذي يتحدث فيه عن الأديب والشاعر وقد لونته لكم بالأزرق وهذا فقط يعطينا دلالة عن أهمية رسالة الأديب الشاعر وهي تنطبق على أي إنسان يحمل رسالة سامية لتشجيع البناء والنمو التطور من خلال الهام الآخرين. وإليكم هذا المقتطف الجميل:
"
من سأتكلم عنه اليوم من أعظم الأدباء و الكتاب في زمانه و أحد أربعة عُرف كل منهم بأسلوبه المتميز وطريقته الخاصة في الصياغة والتعبير، والثلاثة الآخرون هم: مصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، والعقاد، ويقارن أحد الباحثين بينه وبين العقاد وطه حسين، فيقول: "والزيات أقوى الثلاثة أسلوبا، وأوضحهم بيانا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظا، يُعْنى بالكلمة المهندسة، والجملة المزدوجة، وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كتابنا في عصرنا، لقد حفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، وتعلم القراءات السبع وأجادها في سنة واحدة". التحق الزيات بالأزهر وهو في الـ 13 من عمرهـ، وظل فيه عشر سنوات، تلقى في أثنائها علوم الدين واللغة، إلا أنه كان يفضل الأدب فتعلق بالأدب في الأزهر، كما حضر شرح المعلقات للشيخ محمد محمود الشنقيطي، أحد أعلام اللغة البارزين آنذاك.اتصل بطه حسين، ومحمود حسن الزناتي، وكانوا يقضون أوقاتا طويلة في دار الكتب المصرية لمطالعة عيون الأدب العربي، ودواوين فحول الشعراء. لم يكمل دراسته بالأزهر والتحق بالجامعة الأهلية فكان يدرس بها مساء ويعمل صباحا بالتدريس في المدارس الأهلية. التقى في عمله بعديد من رجال الفكر والأدب في عصر النهضة، مثل: العقاد، والمازني، وأحمد زكي، وغيرهم. يرأس القسم العربي في الجامعة الأمريكية في القاهرة بعام 1922 م، وفي أثناء ذلك التحق بكلية الحقوق الفرنسية، وكانت الدراسة فيها ليلاً، ومدتها ثلاث سنوات، أمضى منها سنتين في مصر، وقضى الثالثة في فرنسا حيث حصل على ليسانس الحقوق من جامعة باريس في سنة 1925 م. في 1929 م اختير أستاذا في دار المعلمين ببغداد، فترك العمل في الجامعة الأمريكية وانتقل إلى هناك. وعاش الزيات بعيدًا عن الانتماءات الحزبية، فلم ينضم إلى حزب سياسي يدافع عنه، مثل العقاد وهيكل وطه حسين، ولم يدخل في خصومه مع أحد، ولم يشترك في المعارك الأدبية التي حفلت بها الحياة الثقافية في مصر؛ فقد كان هادئ النفس، وديع الخلق، ليّن الجانب، سليم الصدر.وكان هو و طه حسين، ومحمود حسن الزناتي،أصحاب ربطهم حب الأدب برباط المودة والصداقة، فكانوا يترددون على دروس المرصفي الذي فتح لهم آفاقًا واسعة في الأدب والنقد، أنشأ الزيات مجلة ( الرسالة ) التي أظهرت الكثير من الأدباء و الشعراء في وقتها (مثل شاعر المليون الان) وكان لها الفضل الكامل على بعضهم و هم كثر منهم : محمود محمد شاكر، وعلي الطنطاوي، ومحمود حسن إسماعيل، وأبو القاسم الشابي، وغيرهم. إن ما أراه يتميز به بقوة هو (الحدة) في كل كلمة و عبارة و جملة و (استقلال) كل الجمل في المعنى و التشبيه. و من أفضل وأحب مقالاته عندي (الأدب رسالة ،يُوجِّه ولا يُوجَّه إلى الذين يريدون أن يخلقوا الأديب بالأمر)وقد نشرت بمجلة الأزهر في صفر 1382هـ ومنها:
ليس الكاتب أو الشاعر الخليق بهذا الوصف إنسانا كسائر الناس؛ تُبَيَّنُ له الوِجْهةُ،وتُعَيَّنُ له الغاية، وإنما هو إنسان أعلى، ميزه الله بقوة الفكر، وحِدَّةِ العاطفة،وسُموِّ الخيال، ليشارك في عملية التقدم العام لركب الخليقة،يدفعه بحوافزه العظمى إلى أمامٍ، ويرفعه بمثله العليا إلى فوق.
فهو من أصحاب الرسالات الفكرية الذين يشعرون قبل غيرهم بالنقص لقوة الحس فيهم، ويفكرون أكثر من غيرهم في الكمال لصفاء النفس منهم،ويتخيلون دون غيرهم ما وراء الواقع لخصوبة الخيال لديهم، وحكمهم في تبليغ رسالات الله عن طريق الإلهام حكم الأنبياء الذين يلغوا رسالاته عن طريق الوحي، إلا أن طبيعة الرسالة الأدبية تختلف عن طبيعة الرسالة الدينية:رسالة الأدب تغذية الشعور بالجميل والجليل، ورسالة الدين تقوية الضمير بالخير والحق.والأدباء كالأنبياء يصطفيهم الله من خلقه، ويصنعهم على عينه،ويؤتيهم العلم من لدنه"
هذا هو (أحمد حسن الزيات) لله درك لمثل هذا أقف احتراما و تقديرا فهو ناجح صنع أصحابا ناجحين و نشر الأدب بأنامل من ذهب لجميع أفراد المجتمع . و الفضل بعد الله لمعلمهم المرصفي الذي نفخ فيهم الطموح و الهمة رزق الله جامعتنا بأمثالهم. ظل الزيات محل تقدير وموضع اهتمام حتى وفاته بالقاهرة في صباح الأربعاء الموافق 16 ربيع الأول1388 هـ عن 83 عاما.
--------------------------------------------------------------------------------