كان موقفاً محرجاً ذلك اليوم لما دخلت على طلابي في الكلية ..
كانت محاضرتي حول السيرة النبوية ..
وقفت أمام الطلاب .. هم في السنة الثانية الجامعية ..
أردت أن أقيس معلوماتهم لأعرف المستوى الذي أخاطبهم نم خلاله ..
سألتهم : يا شباب .. أعطوني أسماء أربع زوجات .. من زوجات النبي r ..
كان سؤالاً سهلاً طرحته بين أيديهم على استحياء ..
كانوا أربعين طالباً ..
رفع أحدهم يده صارخاً : يا دكتور ..
قلت : نعم ..
قال : خديجة ..
فعددت بأصابعي قائلاً : خديجة .. أحسنت ..
رفع الثاني يده : يا دكتور .. عائشة ..
قلت : ممتاز .. عائشة ..
ثم سكتوا!!
سكتوا؟! الأربعون ؟!! نعم سكتوا .. الأربعون !!
أخذت أطوف بنظري بينهم .. وأردد عبارات الأسف .. ألا تعرفون رسولكم .. ألا تعرفون أمهات المؤمنين ( أفاااااا ) ..
فقال أحدهم : هاه .. يا دكتور .. دكتور .. تذكرت إحدى زوجاته ..
قلت : من ..
قال : آمنة !!
آمنة .. هي أم رسول الله r .. وقد ظن المسكين أنها زوجته ..
قلت : آمنة !! هي أمه .. الله يخليك لأمك ..!!
فسكت خجلاً ..
وخيّم الصمت عليهم .. والحزن عليَّ ..
فأراد أحدهم أن يزيل الكآبة عن الشيخ .. بجواب يبهج خاطره ..
فقال :
يا دكتور .. تذكرت اسم زوجة ..
قلت : هاه .. من؟
قال : فاطمة !!
ضحك بعض الطلاب .. وظهر التعجب على آخرين ..
وفريق ثالث .. لم يبدُ منهم أي تفاعل .. لأنهم يظنون الجواب صحيحاً .. يظنون فاطمة اسم زوجة من زوجاته r ..
قلت له : فاطمة رضي الله عنها .. هي ابنته ..
سكت الطالب .. بل سكت الجميع ..
فقلت لهم :
أخبروني يا شباب بأسماء خمسة من لاعبي فريق .. فريق .. وجعلت أتذكر فريقاً كروياً أسألهم عنه .. وخشيت أن يجيبوا الجواب الصحيح فأصاب بخيبة أمل .. فلم أذكر فريقاً قريباً .. وإنما تباعدت .. علهم يعجزون عن الجواب .. فقلت : من لاعبي فريق البرازيل ..
فتصايحوا : أنا .. أنا ..
وجعلت الأسماء تهب عليّ هبوباً .. برنالدو .. تيتو .. الخ ..
وأنا أعد بأصابعي .. فإذا أصابع يدي الأولى تمتلئ .. ثم تمتلئ أصابع يدي الثانية .. ثم أعود إلى الأولى .. فإذا هم قد عدوا خمسة عشر اسماً !!
فسألتهم :
الذي أعرف أن عدد لاعبي الفريق لا يتعدى أحد عشر لاعباً ..
فلماذا ذكرتم خمسة عشر ..؟
فقالوا : نحن ذكرنا لك أسماء اللاعبين الأساسيين .. والاحتياط ..
والنكتة أنني لما كانوا يعدون أسماء اللاعبين .. كنت أعد بأصابعي وأعيد اسم اللاعب .. فإذا أخطأت في لفظ الاسم .. ضحكوا من ( جهلي ) .. وعدلوا لي الاسم ..
وصدق الله .. ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ) ..
لا تعتذروا
شعر طلابي بمقدار الحزن البادي على وجهي ..
فبدؤوا يقولون معتذرين : يا شيخ .. لا تلمنا .. فالإعلام يبرز هؤلاء فنحفظهم ..
فقلت لهم : لا تعتذروا .. فالإعلام يملك أن يبرزهم .. لكنه لا يملك أن يلزمك بمتابعتهم .. وتتبع أخبارهم .. وحفظ أسمائهم .. وتذاكر قصصهم .. وجعلهم مادة لأحاديث مجالسنا .. ومواضيع منتدياتنا .. وألوان ألبستنا .. الخ ..
فكما يوجد قنوات للرياضة .. فهناك قنوات للثقافة .. والأخبار .. والشريعة .. والتعليم ..
وقل مثل ذلك فيما تنشره الجرائد والمجلات ومواقع الانترنت .. إلى غير ذلك ..
فلا تعتذروا ..
ومن الطريف أن أذكر ..
أنني ألقيت محاضرة قبل أيام في إحدى القرى .. أؤكد : إحدى القرى ..
كانت المحاضرة حول حياة النبي r ..
ذكرت في آخر المحاضرة أهمية تعلم السيرة النبوية .. ثم ذكرت هذا الموقف الذي وقع بيني وبين طلابي ..
كان أمامي بعض صغار السن الذي لا تتجاوز أعمارهم العشر سنين ..
فقلت في أثناء سردي للموقف : ثم سألأت طلابي : أعطوني أسماء أربع من زوجات النبي r .. وأكملت القصة .. والأمر عادي ..
فلما قلت : ثم قلت لطلابي : هاه يا شباب .ز أعطوني أسماء خمسة من لاعبي البرازيل .. تصايح الصغار الذين أمامي : أنا .ز أنا .. أنا ..
يظنوني أسأل الحاضرين !!
فرأيتها فرصة لتسجيل موقف .. فالتفت إلى أحدهم .. وقلت : هاه يا شاطر .. أجب ..
فقال : برنالدو .. و ..
قلت : يكفي .. تدرس في أي صف يا شاطر ؟
فقال بكل براءة : رابع باء ..!!
فلتفت إلى الثاني وقلت : هاه ؟
قال : تيتو ..
قلت : وأنت أي صف تدرس ؟
فقال : خامس جيم ..
كادت الدموع تنزل من عيني ..
ورأيت بعض الناس .. دمعت عيناه .. قهراً .. وحُقَّ له ذلك ..
أدركت عندها أننا بحاجة إلى إبراز هذا الرسول .. الذي هو أحب إلينا من أرواحنا ..
فكان هذا الكتاب المختصر في نوع من السيرة قلما يطرق .. وهو الكلام عن معجزاته وآيات نبوته r ..
فعسى الله أن ينفع بهذا الكتاب ويرفع .. آمين .. آمين ..
كتبه الداعي لك بالخير/
د.محمد بن عبد الرحمن العريفي
أستاذ جامعي
خطيب جامع البواردي بالرياض
عضو الهيئة العليا للإعلام الإسلامي
محاضر معتمد لدورات السعادة وفن التعامل مع الناس
مؤسس ومدير مركز ناصح للدراسات والاستشارات الاجتماعية
الرياض 1/5/1427هـ
* * * * * *