إخوة الإسلام، حريّ بنا أن نتكلم عن وفاة سيد الأمة وإمام الأئمة من أرسله الله للناس هدىً ورحمة فهذا يذكرنا بأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر وبأن الموت حق قد كتبه الله على العباد، وأفضل العباد قد مات ولا بد لكل واحد منا أن يموت فقد قال الله تعالى مخاطبا نبيه المصطفى في الكتاب: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30)}[سورة الزمر] أي إنك ستموت وهم سيموتون.
بداية مرض الرسول عليه الصلاة والسلام:
ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم صداع في بيت عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه، فقلت: "وارأساه" قال: "بل أنا وارأساه"، ثمّ اشتد أمره في بيت ميمونة، واستأذن نساءه أن يمرّض في بيت عائشة فأذن له، وكانت مدة علته اثني عشر يوما وقيل أربعة عشر.
فعن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أصلى الناس؟ فقلت: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينؤ (أي لينهض) فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يصلي بالناس وكان أبو بكر رجلا رقيقا، فقال: يا عمر صلّ بالناس.
فقال: أنت أحق بذلك. فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة (أي خف عنه المرض) فخرج بين رجلين، أحدهما العباس، لصلاة الظهر فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر (أي ليرجع عن الإمامة في الصلاة بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأومأ إليه أن لا تتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا. رواه البخاري ومسلم والنسائي.
موت الرسول وغسله صلى الله عليه وسلم: عن عمر يناهز 63 عاما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن أنس رضي الله عنه قال: لمّا ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه.
فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم.
فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربّا دعاه، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، فلما دفن قالت فاطمة: "يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب". رواه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما أجمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله: عمه العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة ابن زيد، وصالح مولاه، فلما اجمعوا على غسله نادى من وراء الباب أوس بن خولى الأنصاري، وكان بدريا، علي بن أبي طالب فقال: يا علي ناشدتك الله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له علي عليه السلام: ادخل، فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا فقال فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة وصالح يصبان الماء، وجعل علي يغسله.
ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء مما يرى من الميت وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيّا وميتا.
رواه أحمد بن حنبل.
دفن خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام:
وعن ابن جريج قال: أخبرني أبي أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين يقبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يقبر نبي إلا حيث يموت". فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه". رواه أحمد بن حنبل.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا، وكفّن بثلاثة أثواب بيض، ووضع على سريره على شفير القبر، ثم دخل الناس إرسالا يصلون عليه فوجا فوجا، لا يؤمهم أحد، ثم دفن صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته العباس، وعلي، والفضل، وقثم، وشقران، ودفن في اللحد، وبني عليه في لحده اللبّن، ثم أهالوا عليه التراب، وجعل قبره عليه الصلاة والسلام مسطحا، ورشّ عليه الماء رشا.