في ليلة ممطرة باردة صيفية ولدت قصتين من أشهر قصص الرعب في تاريخ الأدب. مصاص الدم, وفرانكنشتاين
وقصة مصاص الدم وبطلها اللورد روثفين عي اول عمل أدب يتحدث عن مصاصي الدماء في الأدب الإنجليزي يلاقي شهرة عالمية, وهو الاب الروحي لكل من تبعه من مصاصي الدماء حتى ظهور رواية دراكولا
أما فرانكنشتاين فقد أصبحت تراثا عالميا من منا لم يسمع عنه؟
من منا لم يقرأ عملا يستخدم تيمة العالم الذي يخترع ما يدمره؟
أو عن أغذية فرانكنشتاين التي تقوم المظاهرات ضدها في العالم (المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيا)
فكرة ولادة كلا الهملين معا تحوي ظروفا بديعة حقا تستحق أن أشارككم فيها
تلك مقدمة لقصة مصاص الدم منشورة لي في مجلة تحت الكوبري www.elkopry.com
THE VAMPYRE
هذه واحدة من أشهر قصص أدب الرعب في التاريخ, يشار لها تلقائيا في أي دراسة نقدية عن هذا اللون من الأدب، إما لأنها أول عمل أدبي ناجح يتناول مصاصي الدماء في الأدب الإنجليزي، أو لارتباطها بقرينتها رواية فرانكنشتاين الشهيرة، التي تعد من علامات أدب الخيال العلمي والرعب معا.
وقصة كتابة هذه القصة مشوقة مثل أحداثها بالضبط, فقد جُمِّعتْ عدةُ عناصرٍ غريبة متنافرة، كبركان في أندونسيا!، ولورد مريض في جنيف! وخطأ صحفي في لندن.. جميعها مهدت الطريق لنجاح هذه القصة التي ولدت في ليلة تاريخية حاسمة بالنسبة لأدب الرعب، وأثبتت أن حتى عمالقة الأدب قد ينحنوا للمبتدئين!.
كان عام 1816 عاما بلا صيف، أو عامَ الفقر والمجاعة كما سماه الناس, عاما غريبا جدا في طقسه..
بدأ وكأن شيئ أسودَ خارقا للطبيعة قد حجب الشمس وأظلم السماء محولا الصيفَ لشتاءٍ كئيبٍ مرعبٍ ممطرٍ مدمرٍ للمحاصيل والثروات والأعصاب في كلا من أمريكا الشمالية وأوروبا، وهذه ظاهرة يدرسها العلماء باهتمام حتى اليوم نتجت بسبب ملايين الأطنان من الرماد المتصاعد من أقوى انفجار بركاني خلال 10 آلاف عام حدث في أندونسيا, وبسطت الرياح سحابة مروعة على نصف الكرة الأرضية يقارنها العلماء الآن بالشتاء النووي الذي قد يحدث في حالة نشوب حرب ذرية واسعة..
وسط هذا الجو الكئيب المخيف عانى المصطافون في جنيف من المطر واكتفوا بتبادل الزيارات فيما بينهم أو الانكباب على القراءة في كبائنهم, وبين هؤلاء التقى اثنان من قمم الأدب العالمي في ذلك الوقت ( بيرسي بيش شيلي ) أحد أشهر شعراء إنجلترا وواحد من رواد الحركة الرومانسية ومعه عروسه الجديد ( ماري شيلي ) والشاعر والروائي الأشهر والذي هو أيضا من رواد الحركة الرومانسية فائقي النجاح لورد ( بيرون ) يرافقه طبيبه الخاص نصف الإيطالي ( جون بوليدوري ).
كانت العروس الشابة ماري تهوي قراءة القصص الخيالية وذات يوم قرأت مجموعة قصص ألمانية تراثية اسمها بيت الموتى أصابتها بالرعب, وأخذ الرفاق الأربعة يتحدثون عن قصص الخيال والخوارق للطبيعة ثم اتفقوا على أن يقومَ كلٌ مِنهم بكتابة قصة تتحدث عن أمر خارق للطبيعة.
أما الشاعر الشهير بيرسي شيلي فلم يخط حرفا واللورد بيرون كتب مخطوطًا يحوي أسطورة مصاصي الدماء التي سمع بها في رحلته للبلقان ثم نبذها، كان هذا حال العملاقيْن, لكنّ المبتدأيْن نجحا!
ماري شيلي أنتجت الرواية الفائقة الشهرة فرانكنشتاين التي وإن واجهت تعثرا في نشرها في البداية فقد أصبحت أيقونة خالدة في الأدب العالمي, بل في التراث الثقافي عموما.
أما الطبيب جون بوليدوري فقد كتب هذه القصة التي بين أيدينا قبل أن يرحل عائدا لبلده, ولم تنشر في البداية حتى عثرت عليها إحدى المجلات ونشرتها تحت اسم اللورد بيرون!.
ربما كان هذا الخطأ الصحفي من حسن حظ القصة فقد كفل لها سهولة في النجاح, ولكنها سلبت حق مؤلفها, وأثار بينه وبين سيده السابق غضبا رغم محاولة اللورد بيرون الاعتذار وقيامه بنشر مخطوطه الغير مكتمل لتصحيح نسب القصة.
على أي حال رغم نسبها في البداية لغير صاحبها فقد ظلت هذه القصة أيقونة مصاصي الدماء طوال ثلاثة أرباع القرن, ورغم مجيء أعمال أخرى تالية لها لم تنجح في منافستها عبر الزمن حتى عام 1897 حين نشرت رواية دراكولا، فجبت ما قبلها وانتزعت العرش بامتياز..
ورغم ذلك فإن القارئ المدقق يجد في تلك القصة -رغم النسيان الذي أصابها- بعض القواعد في أدب مصاصي الدماء طبقت في دراسةٍ على رواية دراكولا رغم أن الأخيرة قد تبدو بعيدة عنها.
على أي حال توفي هذا الطبيب الشاب عام 1821 وعمره 26 عاما مثقلا بالديون والاكتئاب ولم يعرف له سوى هذه القصة وقصيدة شعرية طويلة ومذكرات نسختها شقيقته بعد وفاته، لكن القصة سواء باسمه أو باسم لورد بيرون بقيت عهودا طويلة وراءه.
------------------